للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ

أَغْلالًا

، أَيْ جَعَلْنَا أَغْلَالًا، أَيْ فَأَبْلَغْنَاهَا إِلَى الْأَذْقَانِ.

وَالْجَعْلُ: هُنَا حَقِيقَةٌ وَهُوَ مَا خُلِقَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ خُلُقِ التَّكَبُّرِ وَالْمُكَابَرَةِ.

وَالْأَغْلَالُ: جَمَعُ غُلٍّ بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَهُوَ حَلْقَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ حَدِيدٍ كَالْقِلَادَةِ ذَاتُ أَضْلَاعٍ مِنْ إِحْدَى جِهَاتِهَا وَطَرَفَيْنِ يُقَابِلَانِ أَضْلَاعَهُمَا فِيهِمَا أَثْقَابٌ مُتَوَازِيَةٌ تَشُدُّ الْحَلْقَةُ مِنْ طَرَفَيْهَا عَلَى رَقَبَةِ الْمَغْلُولِ بِعَمُودٍ مِنْ حَدِيدٍ لَهُ رَأْسٌ كَالْكُرَةِ الصَّغِيرَةِ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْعَمُودُ فِي الْأَثْقَابِ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى رَأْسِهِ الَّذِي كَالْكُرَةِ اسْتَقَرَّ لِيَمْنَعَ الْغُلَّ مِنَ الِانْحِلَالِ وَالتَّفَلُّتِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [٥] .

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَهُمْ مُقْمَحُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ.

وَالْمُقْمَحُ: بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ الْمَجْعُولِ قَامِحًا، أَيْ رَافِعًا رَأْسَهُ نَاظِرًا إِلَى فَوْقِهِ يُقَالُ: قمحه الغلّ، إِذا جَعَلَ رَأَسَهُ مَرْفُوعًا وَغَضَّ بَصَرَهُ، فَمَدْلُولُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ شَيْئَيْنِ.

وَالْأَذْقَانُ: جَمَعُ ذَقَنٍ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْإِسْرَاءِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إِلَخْ وَعِيدًا بِمَا سَيَحِلُّ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُسَاقُونَ إِلَى جَهَنَّمَ فِي الْأَغْلَالِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ فِي سُورَةِ غَافِرٍ [٧١، ٧٢] ، فَيَكُونُ فِعْلُ جَعَلْنا مُسْتَقْبَلًا وَعُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] ، أَيْ سَنَجْعَلُ فِي أَعْنَاقهم أغلالا.

[٩]

[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٩]

وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)

وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا.

هَذَا ارْتِقَاءٌ فِي حِرْمَانِهِمْ مِنَ الِاهْتِدَاءِ لَوْ أَرَادُوا تَأَمُّلًا بِأَنَّ فَظَاظَةَ قُلُوبِهِمْ لَا تَقْبَلُ الِاسْتِنْتَاجَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ بِحَيْثُ لَا يَتَحَوَّلُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ، فَمُثِّلَتْ حَالُهُمْ بِحَالَةِ مَنْ جُعِلُوا بَيْنَ سَدَّيْنِ، أَيْ جِدَارَيْنِ: سَدًّا أَمَامَهُمْ، وَسَدًّا خَلْفَهُمْ، فَلَوْ رَامُوا