للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَعْنَابِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ أَصْنَافِ شَجَرِهِ الْمُثْمِرِ أَصْنَافًا مِنْ ثَمَرِهِ.

وَضَمِيرُ مِنْ ثَمَرِهِ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيْ مِنْ ثَمَرِ مَا ذَكَرْنَا، كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:

فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعَ الْبَهَقْ

فَقِيلَ لَهُ: هَلَّا قُلْتَ: كَأَنَّهَا؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ كَأَنَّ ذَلِكَ وَيْلَكَ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٨] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى النَّخِيلِ وَتُتْرَكُ الْأَعْنَابُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا مِثْلُ النَّخِيلِ. كَقَوْلِ الْأَزْرَقِ بْنِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَمُودِ الْقَرَاطِيِّ (١) الْبَاهِلِيِّ:

رَمَانِي بِذَنْبٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي ... بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَّانِي (٢)

فَلَمْ يَقُلْ: بَرِيئَيْنِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ وَالِدَهُ مِثْلُهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي قَوْلِهِ: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ مَوْصُولَةً مَعْطُوفَةً عَلَى ثَمَرِهِ، أَيْ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَر مَا أخرجناه وَمن ثَمَرِ مَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ، فَيَكُونُ إِدْمَاجًا لِلْإِرْشَادِ إِلَى إِقَامَةِ الْجَنَّاتِ بِالْخِدْمَةِ وَالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْفَرَ لِأَغْلَالِهَا. وَضَمِيرُ عَمِلَتْهُ عَلَى هَذَا عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ. وَيجوز أَن يكون مَا نَافِيَةً وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُقُوهُ. وَهَذَا أَوْفَرُ فِي الِامْتِنَانِ وَأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ مَسَاقَ الِاسْتِدْلَالِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَما عَمِلَتْهُ بِإِثْبَاتِ هَاءِ الضَّمِيرِ عَائِدًا إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٌ وَما عَمِلَتْ بِدُونِ هَاءٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْسُومٌ فِي الْمُصْحَفِ الْكُوفِيِّ وَهُوَ جَارٍ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ إِنْ كَانَ مَعْلُومًا.


(١) كَذَا فِي نُسْخَة «تَفْسِير ابْن عَطِيَّة» ، وَلم أَقف على معنى هَذِه النِّسْبَة.
(٢) نازعه نَاس من قُشَيْر فِي بِئْر لَدَى الْحَاكِم فَقَالَ الْقشيرِي للأزرق: هُوَ لص ابْن لص ليغري بِهِ الْحَاكِم، وَنسب بَعضهم هَذَا إِلَى الْبَيْت للفرزدق، وَلَا يَصح.