للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِي لِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْأَصْنَاف والأنواع المتمايزة كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [طه: ٥٣] كَانَتْ مِنْ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بَيَانِيَّةً، وَالْمَجْرُورُ بِهَا فِي فَحْوَى عَطْفِ الْبَيَانِ، أَوْ بَدَلِ مُفَصَّلٍ من مُجمل مِنْ قَوْلِهِ: الْأَزْواجَ وَالْمَعْنَى:

الْأَزْوَاجُ كُلُّهَا الَّتِي هِيَ: مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَأَنْفُسُهُمْ، وَمَا لَا يَعْلَمُونَ. وَيَدُلُّ قَوْلُهُ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَمَا يَعْلَمُونَ، وَذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ الْإِشَارَةِ.

فَخَصَّ بِالذِّكْرِ أَصْنَافَ النَّبَاتِ لِأَنَّ بِهَا قِوَامَ مَعَاشِ النَّاسِ وَمَعَاشِ أَنْعَامِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ، وَأَصْنَافِ أَنْفُسِ النَّاسِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهَا أَقْوَى، قَالَ تَعَالَى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: ٢١] . ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَعُمُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِمَّا يَعْلَمُهُ النَّاسُ وَمَا لَا يَعْلَمُونَهُ فِي مُخْتَلَفِ الْأَقْطَارِ وَالْأَجْيَالِ وَالْعُصُورِ. وَقَدَّمَ ذِكْرَ النَّبَاتِ إِيثَارًا لَهُ بِالْأَهَمِّيَّةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالْبَعْثِ الَّذِي أَوْمَأَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ [يس: ٣٢] .

وَتَكْرِيرُ حَرْفِ مِنْ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ لِلتَّوْكِيدِ عَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ.

وَضَمِيرُ أَنْفُسِهِمْ عَائِدٌ إِلَى الْعِبادِ فِي قَوْلِهِ: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس: ٣٠] .

وَالْمُرَادُ بِهِمُ: المكذبون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[٣٧]

[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٣٧]

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)

انْتِقَالٌ إِلَى دَلَالَةِ مظَاهر العوالم العلوية عَلَى دَقِيق نظام الْخَالِق فِيهَا مِمَّا تُؤْذِنُ بِهِ الْمُشَاهَدَةُ مَعَ التَّبَصُّرِ. وَابْتُدِئَ مِنْهَا بِنِظَامِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِتَكَرُّرِ وُقُوعِهِ أَمَامَ الْمُشَاهَدَةِ لِكُلِّ رَاءٍ. وَجُمْلَةُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ تَحْتَمِلُ جَمِيعَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي جملَة أَحْيَيْناها [يس: ٣٣] آنِفًا.

وَالسَّلْخُ: إِزَالَةُ الْجِلْدِ عَنْ حَيَوَانِهِ، وَفِعْلُهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْجِلْدِ الْمُزَالِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْجِلْدِ الْمُزَالِ مِنْ جِسْمِ الْحَيَوَانِ: سِلْخٌ (بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ) بِمَعْنَى مَسْلُوخٍ، وَلَا يُقَالُ لِلْجِسْمِ الَّذِي أُزِيلَ جِلْدُهُ: سِلْخٌ. وَيَتَعَدَّى فِعْلُ سَلَخَ إِلَى الْجِسْمِ الَّذِي أُزِيلَ جِلْدُهُ بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ (مِنْ)