للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ كَلِمَةَ (أَمْدَحْهُ) لَا تُعَدُّ مُتَنَافِرَةَ الْحُرُوفِ عَلَى أَنَّ تَكْرِيرَهَا أَحْدَثَ عَلَيْهَا ثِقْلًا مَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى الْعُلَى (١) الْمَجْعُولِ مِثَالًا لِلتَّنَافُرِ فَإِنَّ تَنَافُرَ حُرُوفِهِ انْجَرَّ إِلَيْهِ مِنْ تَعَاقُبِ ثَلَاثَةِ حُرُوفٍ: السِّينِ وَالشِّينِ وَالزَّايِ، وَلَوْلَا الْفَصْلُ بَيْنَ السِّينِ وَالشِّينِ بِالتَّاءِ لَكَانَ أَشَدَّ تَنَافُرًا.

وَمُوجِبَاتُ التَّنَافُرِ كَثِيرَةٌ وَمَرْجِعُهَا إِلَى سُرْعَةِ انْتِقَالِ اللِّسَانِ فِي مَخَارِجِ حُرُوفٍ شَدِيدَةِ التَّقَارُبِ أَوِ التَّبَاعُدِ مَعَ عَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهَا مِنْ صِفَاتِ الْحُرُوفِ مِنْ: جَهْرٍ وَهَمْسٍ، أَوْ شِدَّةٍ وَرِخْوٍ، أَوِ اسْتِعْلَاءٍ وَاسْتِفَالٍ، أَوِ انْفِتَاحٍ وَانْطِبَاقٍ، أَوْ إِصْمَاتٍ وَانْذِلَاقٍ. وَمِنْ حَرَكَاتِهَا

وَسَكَنَاتِهَا وَلَيْسَ لِذَلِكَ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ وَلَكِنَّهَ مِمَّا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى ذَوْقِ الْفُصَحَاءِ. وَقَدْ حَاوَلَ ابْنُ سِنَانٍ الْخَفَاجِيِّ إِرْجَاعَهُ إِلَى تَقَارُبِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ فَرَدَّهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَلَيْهِ بِمَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ.

وَإِذَا اقْتَضَى الْحَالُ مِنْ حَقِّ الْبَلَاغَةِ إِيثَارَ كَلِمَةٍ بِالذِّكْرِ إِذْ لَا يَعْدِلُهَا غَيْرُهَا فَعَرَضَ مِنْ تَصَارِيفِهَا عَارِضُ ثِقَلٍ لَا يَكُونُ حَقُّ مُقْتَضَى الْحَالِ الْبَلَاغِيِّ مُوجِبًا إِيرَادَهَا.

وأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ، فَسَرَتْ إِجْمَالَ الْعَهْدِ لِأَنَّ الْعَهْدَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَ أَنْ الْوَاقِعَةُ بَعْدَهُ تَفْسِيرِيَّةٌ.

وَعِبَادَةُ الشَّيْطَانِ: عِبَادَةُ مَا يَأْمُرُ بِعِبَادَتِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا.

وَجُمْلَةُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ وَقَدْ أَغْنَتْ أَنْ عَنْ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.

ومُبِينٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ للْمُبَالَغَة، أَي عداوته وَاضِحَةٌ، وَوَجْهُ وُضُوحِهَا أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا رَاقَبَ عَوَاقِبَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُوَسْوِسُهَا لَهُ نَفْسُهُ وَاتَّهَمَهَا وَعَرَضَهَا عَلَى وَصَايَا الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَجَدَهَا عَوَاقِبَ نَحِسَةً، فَوَضَحَ لَهُ أَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ بِالْوَسْوَسَةِ وَأَنَّ الَّذِي وَسْوَسَ بِهَا عَدُوٌّ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَدُودًا لَمَا أَوْقَعَهُ فِي


(١) تَمَامه: تضل العقاص فِي مثنى ومرسل. [.....]