للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ"التَّالِياتِ ذِكْراً" يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الرَّسُولِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَى أَقْوَامِهِمْ.

هَذَا وَفِي الِافْتِتَاحِ بِالْقَسَمِ تَشْوِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ لِيُقْبِلَ عَلَيْهِ السَّامِعُ بِشَرَاشِرِهِ.

فَقَدِ اسْتُكْمِلَتْ فَاتِحَةُ السُّورَةِ أَحْسَنَ وُجُوهِ الْبَيَان وأكملها.

[١- ٤]

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١ إِلَى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)

الْقَسَمُ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إِنْكَارِهِمُ الْوَحْدَانِيَّةَ، وَهُوَ قَسَمٌ وَاحِدٌ وَالْمُقْسَمُ بِهِ نَوْعٌ وَاحِدٌ مُخْتَلِفُ الْأَصْنَافِ، وَهُوَ طَوَائِفُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ:

فَالتَّالِياتِ ذِكْراً.

وَعَطْفُ «الصِّفَاتِ» بِالْفَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ ثَابِتَةٌ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ جِهَةٍ تَرْجِعُ إِلَيْهَا وَحْدَتُهُ، وَهَذَا الْمَوْصُوفُ هُوَ هَذِهِ الطَّوَائِفُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الشَّأْنَ فِي عَطْفِ

الْأَوْصَافِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً عَلَى مَوْصُوفٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِالْفَاءِ اتِّصَالُ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِهَا لِمَا فِي الْفَاءِ مِنْ مَعْنَى التَّعْقِيبِ وَلِذَلِكَ يَعْطِفُونَ بِهَا أَسْمَاءَ الْأَمَاكِنِ الْمُتَّصِلِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فحومل ... فتوضح فالمقرة ... الْبَيْتَ

وَكَقَوْلِ لَبِيَدٍ:

بِمَشَارِقِ الْجَبَلِيَّيْنِ أَوْ بِمُحَجِّرِ ... فتضمنتها فَرده فَمر خاها

فَصِدِائِقُ أَنْ أَيْمَنَتْ فَمِظِنَّةٌ ... ............ الْبَيْتَ

وَيَعْطِفُونَ بِهَا صِفَاتِ مَوْصُوفٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِ ابْنِ زِيَّابَةَ:

يَا لَهَفَ زِيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الْ ... صَّابِحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ

يُرِيدُ صِفَاتٍ لِلْحَارِثِ، وَوَصَفَهُ بِهَا تَهَكُّمًا بِهِ.