للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٣٨ إِلَى ٣٩]

إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)

هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوَجَّهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَقِبَ تَسَاؤُلِهِمْ وَتَحَاوُرِهِمْ فَيَكُونُ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مُحَاوَرَتِهِمُ الْمُنْتَهِيَةِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّا كُنَّا غاوِينَ [الصافات: ٣٢] اعْتِرَاضًا، أيْ فَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ تَحَاوُرِهِمْ خُوطِبُوا بِمَا يَقْطَعُ طَمَعَهُمْ فِي قَبُولِ تَنَصُّلِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَبِعَاتِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ لِيَزْدَادُوا تَحَقُّقًا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي عَلِمُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ [الصافات: ٣١] ، وَهَذَا مَا تَقْتَضِيهِ دَلَالَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: لَذائِقُوا الْعَذابِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ هَذَا كَانُوا مُشْرِفِينَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْعَذَابِ وَذَلِكَ زَمَنُ حَالٍ فِي الْعُرْفِ الْعَرَبِيِّ.

وَلَمَّا وَصَفَ عَذَابَهُمْ بِأَنَّهُ أَلِيمٌ عَطَفَ عَلَيْهِ إِخْبَارَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ لَا حَيْفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ لِأَنَّهُ عَلَى وِفَاقِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ آثَارِ الشِّرْكِ، وَالْحَظُّ الْأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَزَاءِ هُوَ حَظُّ الشِّرْكِ وَلَكِنْ كُنِّيَ عَنِ الشِّرْكِ بِأَعْمَالِهِ وَأَمَّا هُوَ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُجَازُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ كَتَمْجِيدِ آلِهَتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهَا، وَتَكْذيب الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَاهُ وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلِهِمْ فِي أَصْنَامِهِمْ أَنَّهُمْ شُفَعَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَفِي الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، وَمِنْ قَتْلِ الْأَنْفُسِ وَالْغَارَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ ووأد الْبَنَات وَالزِّنَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَزِيدُهُمْ عَذَابًا، وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَأَنَّ ذَلِك وَاقع.