للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَالِ عَاقِبَتَيْهِمَا مَعَ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْمُلَازَمَةِ وَالصُّحْبَةِ وَمَا حَفَّهُ مِنْ نِعْمَةِ الْهِدَايَةِ وَمَا تَوَرَّطَ قرينه فِي أَو حَال الْغَوَايَةِ.

وإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاتَّصَلَ بِهَا الْفِعْلُ النَّاسِخُ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي أَحْوَالِهَا إِذَا أُهْمِلَتْ. وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى خَبَرِ كَادَ هِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ إِنْ الْمُخَفَّفَةِ والنافية. و «ترديني» تُوقِعُنِي فِي الرَّدَى وَهُوَ الْهَلَاكُ، وَأَصِلُ الرَّدَى: الْمَوْتُ ثُمَّ شَاعَتِ اسْتِعَارَتُهُ لِسُوءِ الْحَالِ تَشْبِيهًا بِالْمَوْتِ لِمَا شَاعَ مِنَ اعْتِبَارِ الْمَوْتِ أَعْظَمَ مَا يُصَابُ بِهِ الْمَرْءُ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ قَارَبْتَ أَنْ تُفْضِيَ بِي إِلَى حَالِ الرَّدَى بِإِلْحَاحِكَ فِي صَرْفِي عَنِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ لِفَرْطِ الصُّحْبَةِ. وَلَوْلَا نِعْمَةُ هِدَايَةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتِهِ لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ مَعَكَ فِي الْعَذَابِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَتُرْدِينِ بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ فِي آخِرِهِ دُونَ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَهُوَ حَذْفٌ شَائِعٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ. وَكُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بِدُونِ يَاءٍ. وَقَرَأَهُ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَلَا يُنَافِي رَسْمَ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَاءَاتِ لَمْ تُكْتَبْ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَرَأَ الْقُرَّاءُ بِإِثْبَاتِهَا فَإِنَّ كُتَّابَ الْمُصْحَفِ قَدْ حَذَفُوا مُدُودًا كَثِيرَةً مِنْ أَلِفَاتٍ وَيَاءَاتٍ.

وَالْمُحْضَرُونَ: أُرِيدَ بِهِمُ الْمُحْضَرُونَ فِي النَّارِ، أَيْ لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ مَعَكَ لِلْعَذَابِ. وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقُ الْمُحْضَرِ وَنَحْوِهِ عَلَى الَّذِي يَحْضُرُ لِأَجْلِ الْعِقَابِ. وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْقَرِينَ هُنَا بِالشَّيْطَانِ الَّذِي يُلَازِمُ الْإِنْسَانَ لِإِضْلَالِهِ وَإِغْوَائِهِ. وَطَرِيقُ حِكَايَةِ تَصَدِّي الْقَائِلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِإِخْبَارِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِحَالِهِ يُبْطِلُ هَذَا التَّفْسِيرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الشَّيْطَانَ لَكَانَ إِخْبَارُهُ بِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَّا كَانَ لَهُ قَرِينٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَمَا مِنْهُمْ إِلَّا عَالِمٌ بِأَنَّ مَصِيرَ الشَّيَاطِينِ إِلَى النَّارِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَرِيكَيْنِ هُمَا الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ