للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاعْتِقَادِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ وَلِذَلِكَ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ: «صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ» وَلَا يَنْتَفِي احْتِمَالُ النَّقِيضِ إِلَّا مَتَى كَانَ مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ. وَكَثُرَ إِطْلَاقُ الظَّنِّ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمُخْطِئِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١٦] . وَقَوْلِهِ: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يُونُس: ٣٦] .

وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»

. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اعْتِقَادَكُمْ فِي جَانِبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَهْلٌ مُنْكَرٌ.

وَفِعْلُ الظَّنِّ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ أَشْعَرَ غَالِبًا بِظَنٍّ صَادِقٍ قَالَ تَعَالَى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الْأَحْزَاب: ١٠] وَقَالَ: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ [فصلت: ٢٣] . وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الظَّنِينِ عَلَى الْمُتَّهَمِ فَإِنَّ أَصْلَهُ: ظَنِينٌ بِهِ، فَحُذِفَتِ الْبَاءُ وَوُصِلَ الْوَصْفُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ فَالْأَكْثَرُ حَذْفُ مَفْعُولِهِ وَكَانَتِ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ ظَنَّ ظَنًّا مُلْصَقًا بِاللَّه، أَي مدّعى تَعَلُّقَهُ بِاللَّهِ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لَائِقًا بِاللَّهِ. وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [١٠] .

وَالْمَعْنَى: فَمَا ظنكم السيّء بِاللَّهِ، وَلَمَّا كَانَ الظَّنُّ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَتَعْدِيَتُهُ إِلَى اسْمِ الذَّاتِ دُونَ إِتْبَاعِ الِاسْمِ بِوَصْفٍ مُتَعَيِّنَةٌ لِتَقْدِيرِ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ. وَقَدْ حُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ هُنَا لِقَصْدِ التَّوَسُّعِ فِي تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ بِكُلِّ احْتِمَالٍ مُنَاسِبٍ تَكْثِيرًا لِلْمَعَانِي فَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ ذَاتِ ربّ الْعَالمين أَو صافه. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْهَا الْكُنْهُ وَالْحَقِيقَةُ، فَاعْتِبَارُ الْوَصْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَعْنَى الْمُشْتَقُّ مِنْهُ الرَّبُّ وَهُوَ الرُّبُوبِيَّةُ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ إِلَى كَمَالِهِ تَدْرِيجًا وَرِفْقًا فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَقَاءِ وَالْإِمْدَادِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَشْكُرَ الْمُمَدُّ فَلَا يَصُدُّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَمَا ظَنُّكُمْ أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّكْرِ الْمُتَمَثِّلِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِإِنْعَامِهِ.

وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ مَعْنَيَيِ الرَّبِّ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَعْنَى