للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دِينًا، وَاخْتَلَّ نَظَرًا وَتَخْمِينًا. وَقَدْ دَوَّنُوا كَذِبًا كَثِيرًا فِي ذَلِكَ وَسَمَّوْهُ عِلْمَ أَحْكَامِ الْفَلَكِ أَوِ النُّجُومِ.

وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنِّي سَقِيمٌ لَمْ يَكُنْ مَرَضًا وَلِذَلِكَ

جَاءَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاث كذبات اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الْأَنْبِيَاء: ٦٣] ، وَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ سَارَةَ فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي»

الْحَدِيثَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ مِنْ نِسْبَةِ الْكَذِب إِلَى نبيء.

وَدَفْعُ الْإِشْكَالِ: أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذَا الْكَلَامِ كَذِبًا مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى مَا يُفْهِمُهُ أَوْ يُعْطِيهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَمَا هُوَ بِالْكَذِبِ الصُّرَاحِ بَلْ هُوَ مِنَ الْمَعَارِيضِ، أَيْ أَنِّي مِثْلُ السَّقِيمِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْخُرُوجِ، أَوْ فِي التَّأَلُّمِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَأَنَّ قَوْلَهُ: «هِيَ أُخْتِي» أَرَادَ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ التَّهَكُّمَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الْأَنْبِيَاء: ٦٣] لِظُهُورِ قَرِينَةِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّغْلِيطُ.

وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا تَدْفَعُ إِشْكَالًا يَتَوَجَّهُ عَلَى تَسْمِيَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ بِأَنَّهُ كِذْبَاتٌ.

وَجَوَابُهُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ التَّشْبِيهُ الْبَلِيغُ، وَلَا الْمَجَازُ، وَلَا التَّهَكُّمُ، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْمِهِ كَذِبًا وَأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُ فِعْلَ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُ بِتَأْوِيلِهِ كَمَا أَذِنَ لِأَيُّوبَ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا مِنْ عِصِيٍّ فَيَضْرِبَ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِيُبِرَّ قَسَمَهُ إِذْ لَمْ تَكُنِ الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةً فِي دِينِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَفِعْلُ «رَاغَ» مَعْنَاهُ: حَادَ عَنِ الشَّيْءِ، وَمَصْدَرُهُ الرَّوْغُ وَالرَّوَغَانُ، وَقَدْ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الذَّهَابِ إِلَى أَصْنَامِهِمْ مُخَاتَلَةً لَهُمْ وَلِأَجْلِ الْإِشَارَةِ إِلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى الذَّهَابِ عُدِّيَ بِ إِلى.

وَإِطْلَاقُ الْآلِهَةِ عَلَى الْأَصْنَامِ مُرَاعًى فِيهِ اعْتِقَادُ عَبَدَتِهَا بِقَرِينَةِ إِضَافَتِهَا إِلَى ضَمِيرِهِمْ، أَيْ إِلَى الْآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ لَهُمْ.

وَمُخَاطَبَةُ إِبْرَاهِيمَ تِلْكَ الْأَصْنَامَ بِقَوْلِهِ: أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ وَهُوَ فِي حَالِ خَلْوَةٍ بِهَا وَعَلَى غَيْرِ مَسْمَعٍ مِنْ عَبَدَتِهَا قُصِدَ بِهِ أَنْ يُثِيرَ فِي نَفْسِهِ غَضَبًا