للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِعَشَرَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَأَنْ يَسْتَقْسِمَ بِالْأَزْلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْإِبِلِ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْإِبِلِ نَحَرَهَا، فَفَعَلَ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: أَرْضِ الْآلِهَةَ، أَيِ الْآلِهَةَ الَّتِي فِي الْكَعْبَةِ يَوْمَئِذٍ، فَزَادَ عَشَرَةً مِنَ الْإِبِلِ وَاسْتَقْسَمَ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ: أَرْضِ الْآلِهَةَ وَيَزِيدُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَشَرَةً مِنَ الْإِبِلِ وَيُعِيدُ الِاسْتِقْسَامَ وَيَخْرُجُ سَهْمُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَائَةً مِنَ الْإِبِل واستقسم عَلَيْهِمَا فَخَرَجَ سَهْمُ الْإِبِلِ فَقَالُوا رَضِيَتِ الْآلِهَةُ فَذَبَحَهَا فِدَاءً عَنْهُ.

وَكَانَتْ مَنْقَبَةً لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلِابْنِهِ أبي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُشْبِهُ مَنْقَبَةَ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنْ كَانَتْ جَرَتْ عَلَى أَحْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهَا يُسْتَخْلَصُ مِنْهَا غَيْرُ مَا حَفَّ بِهَا مِنَ الْأَعْرَاضِ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ فَتْرَةٍ لَا شَرِيعَةَ فِيهِ وَلَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا. إِلَّا أَنَّهُ شَاعَ مِنْ أَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِنَاءً عَلَى مَا جَاءَ فِي «سِفْرِ التَّكْوِينِ» فِي «الْإِصْحَاحِ» الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَعَلَى مَا كَانَ يَقُصُّهُ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا عَلِمُوهُ مِنْ أَقْوَال الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُهُ وَلَا كَانُوا يَسْأَلُونَهُ.

وَالتَّأَمُّلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُقَوِّي الظَّنَّ بِأَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَبْحِهِ هُوَ الْغُلَامُ الْحَلِيمُ فِي قَوْلِهِ: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات: ١٠١] وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهَ أَنْ يَهَبَ لَهُ فَسَاقَتِ الْآيَةُ قِصَّةَ الِابْتِلَاءِ بِذَبْحِ هَذَا الْغُلَامِ الْحَلِيمِ الْمَوْهُوبِ لِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ أَعْقَبَتْ قِصَّتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيئًا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١١٢] ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ إِسْحَاقَ هُوَ غَيْرُ الْغُلَامِ الْحَلِيمِ الَّذِي

مَضَى الْكَلَامُ عَلَى قِصَّتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْله: وَبَشَّرْناهُ [الصافات: ١١٢] بِشَارَةٌ ثَانِيَةٌ وَأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ إِسْحَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ الْغُلَامِ الْحَلِيمِ الَّذِي أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ الْمُتَقَدِّمَةُ.

فَهَذَا دَلِيلٌ أَوَّلُ.

الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الِابْتِلَاءَ وَقَعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِإِبْرَاهِيمَ ابْنٌ غَيْرُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ فِي الِابْتِلَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.

الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات: ١٠١] عَقِبَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١٠٠] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الْحَلِيمَ الَّذِي أُمِرَ