للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ اسْتِفْهَامِ كَيْفَ تَحْكُمُونَ فَإِنَّ كَيْفَ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْحَالِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تَحْكُمُونَ قُدِّمَتْ لِأَجْلِ صَدَارَةِ الِاسْتِفْهَامِ. وَجُمْلَةُ تَحْكُمُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَكُمْ فَحَصَلَ اسْتِفْهَامَانِ: أَحَدُهُمَا عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ فَحَكَمُوا هَذَا الْحُكْمَ. وَثَانِيهِمَا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي اتَّصَفُوا بِهَا لَمَّا حُكِيَ هَذَا الْحُكْمُ الْبَاطِلُ. وَهَذَا إِيجَازُ حَذْفٍ إِذِ التَّقْدِيرُ: مَا لَكَمَ تَحْكُمُونَ هَذَا الْحُكْمَ، كَيْفَ تَحْكُمُونَهُ. وَحُذِفَ مُتَعَلَّقُ تَحْكُمُونَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامَانِ مِنْ كَوْنِ مَا حَكَمُوا بِهِ مُنْكَرًا يَحِقُّ الْعَجَبُ مِنْهُ فَكِلَا الِاسْتِفْهَامَيْنِ إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ.

وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِيَّ عَنْ عَدَمِ تَذَكُّرِهِمْ، أَيِ اسْتِعْمَالُ ذُكْرِهِمْ- بِضَمِّ الذَّالِ وَهُوَ الْعَقْلُ- أَيْ فَمُنْكَرٌ عَدَمُ تَفَهُّمِكُمْ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْ حُكْمِكُمْ.

وأَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ فَ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى (بَلْ) الَّتِي مَعْنَاهَا الإضراب الصَّالح للإضراب الْإِبْطَالِيُّ وَالْإِضْرَابُ الِانْتِقَالِيُّ. وَالسُّلْطَانُ: الْحُجَّةُ. وَالْمُبِينُ:

الْمُوَضِّحُ لِلْحَقِّ. وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أَمْ بَعْدَهَا إِنْكَارِيُّ أَيْضًا. فَالْمَعْنَى: مَا لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ، أَيْ عَلَى مَا قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.

وَتَفَرَّعَ عَلَى إِنْكَارِ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ بِمَا قَالُوا أَنْ خُوطِبُوا بالإتيان بِكِتَاب من عِنْد الله عَلَى ذَلِكَ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا زَعَمُوا، أَي فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِكُتَّابٍ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْتُمْ غَيْرُ صَادِقِينَ. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَأْتُوا

أَمْرُ تَعْجِيزٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: ٢٣] .

وَإِضَافَةُ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ عَلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِيَّةِ، أَيْ كِتَابٍ مُرْسَلٍ إِلَيْكُمْ. وَمُجَادَلَتُهُمْ بِهَذِهِ

الْجُمَلِ الْمُتَفَنَّنَةِ رُتِّبَتْ عَلَى قَانُونِ الْمُنَاظَرَةِ فَابْتَدَأَهُمْ بِمَا يُشْبِهُ الِاسْتِفْسَارَ عَنْ دَعْوَيَيْنِ:

دَعْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَدَعْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً [الصافات: ١٤٩، ١٥٠] .