للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْسَ امْتِنَاعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ لِنَقْصٍ فِي عُلُوِّهِ وَمَجْدِهِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُمْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ بِهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ بَلِ إِضْرَابَ انْتِقَالٍ مِنَ الشُّرُوعِ فِي التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ إِلَى بَيَانِ سَبَبِ إِعْرَاضِ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ، لِأَنَّ فِي بَيَانِ ذَلِكَ السَّبَبِ تَحْقِيقًا لِلتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ كَمَا يُقَالُ: دَعْ ذَا وَخُذْ فِي حَدِيثٍ..، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَدَعْ ذَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ... ذُمُولٍ إِذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا

وَقَالَ زُهَيْرٌ:

دَعْ ذَا وَعَدِّ الْقَوْلَ فِي هَرَمٍ ... خَيْرِ الْبُدَاةِ وَسَيِّدِ الْحَضَرِ

وَقَوْلِ الْأَعْشَى:

فَدَعْ ذَا وَلَكِنْ مَا تَرَى رَأْيَ كَاشِحٍ ... يَرَى بَيْنَنَا مِنْ جَهْلِهِ دَقَّ مَنْشَمِ

وَقَوْلِ الْعَجَّاجِ:

دَعْ ذَا وَبَهِّجْ حَسَبًا مُبَهَّجَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ أَخَذَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ أَهَمُّ وَهُوَ بَيَانُ سَبَبِ إِعْرَاضِ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ لِاعْتِزَازِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ، فَوَقَعَ الْعُدُولُ عَنْ جَوَابِ الْقَسَمِ اسْتِغْنَاءً بِمَا يُفِيدُ مُفَادَ ذَلِكَ الْجَوَابِ.

وَإِنَّمَا قِيلَ: الَّذِينَ كَفَرُوا دُونَ (الْكَافِرُونَ) لِمَا فِي صِلَةِ الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ. وَالْعِزَّةُ تَحُومُ إِطْلَاقَاتُهَا فِي الْكَلَامِ حَوْلَ مَعَانِي الْمَنَعَةِ وَالْغَلَبَةِ وَالتَّكَبُّرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى أَسْبَابٍ وَاقِعَةٍ فَهِيَ الْعِزَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَإِنْ كَانَ عَنْ غُرُورٍ وَإِعْجَابٍ بِالنَّفْسِ فَهِيَ عِزَّةٌ مُزَوَّرَةٌ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [الْبَقَرَة: ٢٠٦] ، أَيْ أَخَذَتْهُ الْكِبْرِيَاءُ وَشِدَّةُ الْعِصْيَانِ، وَهِيَ هُنَا عِزَّةٌ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا إِبَاءٌ مِنَ الْحَقِّ وَإِعْجَابٌ بِالنَّفْسِ. وَضِدُّ الْعِزَّةِ الذِّلَّةُ قَالَ تَعَالَى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَة: ٥٤] وَقَالَ السَّمَوْأَلُ أَوْ غَيْرُهُ:

وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا ... عَزِيزٌ وَجَارُ الْأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ