للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَثْبَتَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ، وَيَكُونُ نَفْيُ السَّمَاعِ كِنَايَةً عَنْ سَمَاعِ ضِدِّهِ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْآلِهَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُوا بِ الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ الْمِلَّةَ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا وَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِ مَلَأِ قُرَيْشٍ لِأَبِي طَالِبٍ فِي حِينِ احْتِضَارِهِ حِينَ

قَالَ لَهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالُوا لَهُ جَمِيعًا: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»

. فَقَوْلُهُمْ: فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِمْرَارِ انْتِفَاءِ هَذَا إِلَى الزَّمَنِ الْأَخِيرِ فَيَعْلَمُ أَنَّ انْتِفَاءَهُ فِي مِلَّتِهِمُ الْأَوْلَى بِالْأَحْرَى.

وَجُمْلَةُ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ مَا سَمِعْنا بِهذا وَهَذَا هُوَ الْمُتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمُ الْمَبْدُوءِ بِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالْفَذْلَكَةِ لِكَلَامِهِمْ.

وَالِاخْتِلَاقُ: الْكَذِبُ الْمُخْتَرَعُ الَّذِي لَا شُبْهَة لقائله.

[٨]

[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٨]

أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)

أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا.

يجوز أَن يكون أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا مِنْ كَلَامِ عُمُومِ الْكَافِرِينَ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ: وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ [ص: ٤] فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: ٥] وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ بَيَانًا لجملة كَذَّابٌ [ص: ٤] ، لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: هَذَا كَذَّابٌ إِذْ هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِ (كَانَ) ، وَلِكَوْنِهِ بَيَانًا لِلَّذِي قَبْلَهُ لَمْ يُعْطَفْ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ قَوْلِهِ: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ [ص: ٦] إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: ٧] اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَتَيِ الْبَيَانِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الْمَلَأِ وَاسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ بَيَانِ جُمْلَةِ كَذَّابٌ لِأَنَّ نُطْقَ الْمَلَأِ بِهِ كَافٍ فِي قَوْلِ الْآخَرِينَ بِمُوجَبِهِ فَاسْتَغْنَوْا عَنْ بَيَانِ جُمْلَةِ كَذَّابٌ.

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، وَمَنَاطُ الْإِنْكَارِ هُوَ الظَّرْفُ مِنْ بَيْنِنا وَهُوَ فِي مَوْضِعِ حَالٍ مِنْ

ضَمِيرِ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرُوا أَنْ يخص مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِرْسَالِ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] أَيْ مِنْ مَكَّةَ أَوِ الطَّائِفِ وَلَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا الْإِنْكَارِ