للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِ أُولئِكَ بِادِّعَاءِ الْأُمَمِ وَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَمَّا يَبْلُغُوا مَبْلَغَ أَنْ يُعَدُّوا مِنَ الْأَحْزَابِ فَظَاهِرُ الْقِصَرِ وَلَامُ الْكَمَالِ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْكَمَالِ كَقَوْلِ الْأَشْهَبِ بْنِ رُمَيْلَةَ:

وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ

وَالْمَعْنَى: أُولَئِكَ الْمَذْكُورُونَ هُمُ الْأُمَمُ لَا تُضَاهِيهِمْ أُمَمٌ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِتَخْوِيفِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلْ بِأُولَئِكَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ [٢١، ٢٢] .

وَجُمْلَةُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ إِلَى قَوْله:

وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ، أَخْبَرَ أَوَّلًا عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِلَّا مُكَذِّبِينَ عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ كَأَنَّهُمْ لَا صِفَةَ لَهُمْ إِلَّا تَكْذِيبُ الرُّسُلِ لِتَوَغُّلِهِمْ فِيهَا وَكَوْنِهَا هِجِّيرَاهُمْ. وإِنْ نَافِيَةٌ، وَتَنْوِينُ كُلٌّ تَنْوِينُ عِوَضٍ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ كُلُّهُمْ.

وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ فِعْلًا فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَ الرُّسُلَ لِيُفِيدَ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ تَخْصِيصَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فَحَصَلَ بِهَذَا النّظم تَأْكِيد الْحَصْرِ.

وَتَعْدِيَةُ كَذَّبَ إِلَى الرُّسُلَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ إِنَّمَا كَذَّبَتْ رَسُولَهَا، مَقْصُودٌ مِنْهُ تَفْظِيعُ التَّكْذِيبِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إِنَّمَا كَذَّبَتْ رَسُولَهَا مُسْتَنِدَةً لِحُجَّةٍ سُفُسْطَائِيَّةٍ هِيَ اسْتِحَالَةُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ فَهَذِهِ السَّفْسَطَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ جَمِيعَ الرُّسُلِ. وَقَدْ حَصَلَ تَسْجِيلُ التَّكْذِيبِ عَلَيْهِمْ بِفُنُونٍ مِنْ تَقْوِيَةِ ذَلِكَ التَّسْجِيلِ وَهِيَ إِبْهَامُ مَفْعُولِ كَذَّبَتْ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ثُمَّ تَفْصِيلُهُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ وَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ مِنَ الْحَصْرِ، وَمَا فِي تَأْكِيدِهِ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ:

إِلَّا كَذَّبَ، وَمَا فِي جَعْلِ الْمُكَذَّبِ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ،