للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُعْرَفُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ، وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فَصْلَ الْخِطَابِ عِنْدَ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَيْنَ مُقَدِّمَةِ الْمَقْصُودِ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ. فَالْفَصْلُ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ، وَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ. وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ» هُوَ سُحْبَانُ وَائِلٍ خَطِيبُ الْعَرَبِ، وَقِيلَ: فَصْلَ الْخِطابِ الْقَضَاءُ بَيْنَ الْخُصُومِ وَهَذَا بَعِيدٌ إِذْ لَا وَجْهَ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْخِطَابِ.

وَاعْلَمْ أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ كُلِّ مَا أُعْطِيَ دَاوُدُ فَكَانَ أَوَّابًا، وَهُوَ الْقَائِلُ:

«إِنِّي لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» ، وَسَخَّرَ لَهُ جَبَلَ حِرَاءٍ عَلَى صُعُوبَةِ مَسَالِكِهِ فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِيهِ إِلَى أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ فِي غَارِ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ جِبَالُ مَكَّةَ أَنْ تَصِيرَ لَهُ ذَهَبًا فَأَبَى وَاخْتَارَ الْعُبُودِيَّةَ وَسُخِّرَتْ لَهُ مِنَ الطَّيْرِ الْحَمَامُ فَبَنَتْ وَكْرَهَا عَلَى غَارِ ثَوْرٍ مُدَّةَ اخْتِفَائِهِ بِهِ مَعَ الصّديق فِي مسير هما فِي الْهِجْرَةِ. وَشَدَّ اللَّهُ مُلْكَ الْإِسْلَامِ لَهُ، وَكَفَاهُ عَدُوَّهُ مِنْ قَرَابَتِهِ مِثْلَ أَبِي لَهَبٍ وَابْنِهِ عُتْبَةَ وَمِنْ أَعْدَائِهِ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ، وَآتَاهُ الْحِكْمَةَ، وَآتَاهُ فَصْلَ الْخِطَابِ قَالَ: «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَ لِيَ الْكَلَامُ اخْتِصَارًا» بَلْهَ مَا أُوتِيَهُ الْكِتَابِ الْمُعْجِزِ بُلَغَاءَ الْعَرَبِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق: ١٣، ١٤] .

[٢١- ٢٥]

[سُورَة ص (٣٨) : الْآيَات ٢١ الى ٢٥]

وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لَا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)

وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لَا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ جُمْلَةُ وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِلَى آخِرِهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ [ص: ١٨] . وَالْإِنْشَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى الْخَبَرِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ قَصَّتْ شَأْنًا مِنْ شَأْنِ دَاوُدَ مَعَ رَبِّهِ تَعَالَى فَهِيَ نَظِيرُ مَا قَبْلَهَا.