للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فُتُوناً [طه: ٤٠] ، أَيْ ظَنَّ أَنَّا اخْتَبَرْنَا زَكَانَتَهُ بِإِرْسَالِ الْمَلَكَيْنِ، يُصَوِّرُ أَنَّ لَهُ صُورَةً شَبِيهَةً بِفِعْلِهِ فَفَطِنَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ أَمْرٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ. وَتَفْرِيعُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ ظَاهِرٌ

عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ، أَيْ لَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ طَلَبَ الْغُفْرَانَ مِنْ رَبِّهِ لِمَا صَنَعَ.

وَخَرَّ خُرُورًا: سَقَطَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي سُورَةِ [النَّحْلِ: ٢٦] .

وَالرُّكُوعُ: الِانْحِنَاءُ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ دُونَ وُصُولٍ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الْفَتْح: ٢٩] ، فَذَكَرَ شَيْئَيْنِ. قَالُوا: لَمْ يَكُنْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ سُجُودٌ عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ لَهُمُ الرُّكُوعُ، وَعَلَيْهِ فَتَقْيِيدُ فِعْلِ خَرَّ بِحَالِ راكِعاً تَمَجُّزٌ فِي فِعْلِ خَرَّ بِعَلَاقَةِ الْمُشَابِهَةِ تَنْبِيهًا عَلَى شِدَّةِ الِانْحِنَاءِ حَتَّى قَارَبَ الْخُرُورَ. وَمَنْ قَالَ: كَانَ لَهُمُ السُّجُودُ جَعَلَ إِطْلَاقَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ هَاهُنَا السُّجُودُ، قُلْتُ: الْخِلَافُ مَوْجُودٌ.

وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَيْسَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ سُجُودٌ بِالْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّجُودُ عِبَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ كَشَأْنِ كَثِيرٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ خَاصَّةً بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ كَمَا تقدم فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: ١٣٢] ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً فِي سُورَةِ يُوسُفَ [١٠٠] . وَكَانَ رُكُوعُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَضَرُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى لِيَقْبَلَ اسْتِغْفَارَهُ.

وَالْإِنَابَةُ: التَّوْبَةُ: يُقَالُ: أَنَابَ، وَيُقَالُ: نَابَ. وَتَقَدَّمُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٥] . وَعِنْدَ قَوْلِهِ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ [٣١] .

وَهُنَا مَوْضِعُ سَجْدَةٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ مِنَ الْعَزَائِمِ عِنْدَ مَالِكٍ لِثُبُوتِ سُجُود النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا. فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ مُجَاهِدٍ «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السَّجْدَةِ فِي ص فَقَالَ:

أَو مَا تَقْرَأُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الْأَنْعَام: ٨٤] إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الْأَنْعَام: ٩٠] فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيئُكُمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَسَجَدَهَا دَاوُدُ فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ» .

وَفِي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ