للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيءِ بِأَنَّ هَذَا دَأْبُهُمْ وَشِنْشِنَتُهُمْ مِنَ الْخِلَافِ فَقَدِيمًا خَالَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي قِبْلَتِهِمْ حَتَّى خَالَفَتِ النَّصَارَى قِبْلَةَ الْيَهُودِ مَعَ أَنَّ شَرِيعَةَ الْيَهُودِ هِيَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ.

وَجُمْلَةُ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْعَطْفِ بعد الْإِخْبَار بِأَنَّهُ لَا يُتَّبَعُ قِبْلَتُهُمْ زِيَادَةُ تَأْكِيدِ الْأَمْرِ

بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يُفْرَضُ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوِ اتَّبَعَ أَهْوَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلِذَلِكَ كَانَ الْموقع لإن لِأَنَّ لَهَا مَوَاقِعَ الشَّكِّ وَالْفَرْضُ فِي وُقُوعِ الشَّرْطِ.

وَقَوْلُهُ: مِنَ الْعِلْمِ بَيَان لما جَاءَك أَي من بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ وَالَّذِي هُوَ الْعِلْمُ فَجَعَلَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ هُوَ الْعِلْمَ كُلَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ.

وَالْأَهْوَاءُ جَمْعُ هَوًى وَهُوَ الْحُبُّ الْبَلِيغُ بِحَيْثُ يَقْتَضِي طَلَبَ حُصُولِ الشَّيْءِ الْمَحْبُوبِ وَلَوْ بِحُصُولِ ضُرٍّ لِمُحَصِّلِهِ، فَلِذَلِكَ غَلَبَ إِطْلَاقُ الْهَوَى عَلَى حُبٍّ لَا يَقْتَضِيهِ الرُّشْدُ وَلَا الْعَقْلُ وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْعِشْقِ، وَشَاعَ إِطْلَاقُ الْهَوَى فِي الْقُرْآنِ عَلَى عَقِيدَةِ الضَّلَالِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ أَهْلَ الْعَقَائِدِ الْمُنْحَرِفَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ.

وَقَدْ بُولِغَ فِي هَذَا التَّحْذِيرِ بِاشْتِمَالِ مَجْمُوعِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عَلَى عِدَّةِ مُؤَكِّدَاتٍ أَوْمَأَ إِلَيْهَا صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَفَصَّلَهَا صَاحِبُ «الْكَشْفِ» إِلَى عَشْرَةٍ وَهِيَ: الْقَسَمُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّامِ، وَاللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ الْقَسَمَ تَأْكِيدًا، وَحَرْفُ التَّوْكِيدِ فِي جُمْلَةِ الْجَزَاءِ، وَلَامُ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِهَا، وَاسْمِيَّةُ الْجُمْلَةِ، وَجَعْلُ حَرْفِ الشَّرْطِ الْحَرْفَ الدَّالَّ عَلَى الشَّكِّ وَهُوَ (إِنِ) الْمُقْتَضِي إِنَّ أَقَلَّ جُزْءٍ مِنَ اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ كَافٍ فِي الظُّلْمِ، وَالْإِتْيَانُ بِإِذَنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجَزَائِيَّةِ فَإِنَّهَا أَكَّدَتْ رَبْطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ فِي قَوْلِهِ: مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالِاهْتِمَامُ بِالْوَازِعِ يَؤُولُ إِلَى تَحْقِيقِ الْعِقَابِ عَلَى الِارْتِكَابِ لِانْقِطَاعِ الْعُذْرِ، وَجَعْلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسَ الْعِلْمِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الظَّالِمِينَ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْمَعْهُودِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِينَ هُوَ لَهُمْ سَجِيَّةٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ مَا يَؤُولُ إِلَى تَحْقِيقِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ أَوْ تَحْقِيقِ سَبَبِهِ