للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اخْتِلَافُ طَرَائِقِهِمْ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَفِي أَنْوَاعِهَا مِنَ الْأَنْصَابِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُشْرِكِينَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ.

وَمَعْنَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ ضَلَالَهُمْ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ لَيْسَ مَعْنَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ مُقْتَضِيًا الْحُكْمَ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى فَرِيقٍ آخَرَ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ بِإِبْطَالِ دَعْوَى جَمِيعِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مَعْطُوفٍ عَلَى بَيْنَهُمْ مُمَاثِلٍ لَهُ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، لِاقْتِضَائِهَا أَنَّ الَّذِينَ أَخْلَصُوا الدِّينَ لِلَّهِ قَدْ وَافَقُوا الْحَقَّ فَالتَّقْدِيرُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُخْلِصِينَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ النَّابِغَةِ:

فَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِمًا ... أَبُو حُجْرٍ إِلَّا لَيَالٍ قَلَائِلُ

تَقْدِيرُهُ: بَيْنَ الْخَيْرِ وَبَيْنِي بِدَلَالَةِ سِيَاقِ الرِّثَاءِ وَالتَّلَهُّفِ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِيُقَرِّبُونا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عِلَلٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ مَا نَعْبُدُهُمْ لِشَيْءٍ إِلَّا لِعِلَّةِ أَنَّ يُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ فَيُفِيدُ قَصْرًا عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ قَصْرَ قَلْبٍ إِضَافِيٍّ، أَيْ دُونَ مَا شَنَّعْتُمْ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّنَا كَفَرْنَا نِعْمَةَ خَالِقِنَا إِذْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ الْمَعْذِرَةَ وَيَكُونُ فِي أَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ اسْتِخْدَامٌ لِأَنَّ اللَّامَ الْمُقَدَّرَةَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لَامُ الْعَاقِبَةِ لَا لَامُ الْعِلَّةِ إِذْ لَا يَكُونُ الْكُفْرَانُ بِالْخَالِقِ عِلَّةٌ لِعَاقِلٍ وَلَكِنَّهُ صَائِرٌ إِلَيْهِ، فَالْقَصْرُ لَا يُنَافِي أَنَّهُمْ أَعَدُّوهُمْ لِأَشْيَاءَ أُخَرَ إِذَا عَدُّوهُمْ شُفَعَاءَ وَاسْتَنْجَدُوهُمْ فِي النَّوَائِبِ، وَاسْتَقْسَمُوا بِأَزْلَامِهِمْ لِلنَّجَاحِ، كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ.

وَالزُّلْفَى: مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ، أَيْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ فِي مَنْزِلَةِ الْقرب، وَالْمرَاد بهَا مَنْزِلَةُ الْكَرَامَةُ وَالْعِنَايَةِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَيَكُونُ مَنْصُوبًا بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ لِيُقَرِّبُونا بَدَلَ اشْتِمَالٍ، أَيْ لِيُقَرِّبُوا مَنْزِلَتَنَا إِلَى اللَّهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زُلْفى اسْمُ مَصْدَرٍ فَيَكُونُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا، أَيْ قُرْبًا شَدِيدًا.

وَأَفَادَ نَظْمُ هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَمْرَيْنِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ ثَابِتٌ لَهُمْ، وَأَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ مُتَجَدِّدٌ، فَالْأَوَّلُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ، وَالثَّانِي مِنْ كَوْنِ الْمُسْنَدِ فِعْلًا مُضَارِعًا.