للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَةُ التَّبَنِّيَ لَا غَيْرَ إِذْ لَا تتعقل بنوة لله غَيْرَ التَّبَنِّي وَلَوْ كَانَ اللَّهُ مُتَبَنِّيًا لَاخْتَارَ مَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِالتَّبَنِّي مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ دُونَ الْحِجَارَةِ الَّتِي زَعَمْتُمُوهَا بَنَاتٍ لِلَّهِ. وَإِذَا بَطَلَتْ بُنُوَّةُ تِلْكَ الْأَصْنَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَزْعُومَةِ بَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ سَائِرِ الْأَصْنَامِ الْأُخْرَى الَّتِي اعْتَرَفُوا بِأَنَّهَا فِي مَرْتَبَةٍ دُونَ مَرْتَبَةِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَدِ اقْتَضَى الْكَلَامُ دَلِيلَيْنِ: طُوِيَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ دَلِيلُ اسْتِحَالَةِ الْوَلَدِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذُكِرَ دَلِيلُ إِبْطَالِ التبنّي لما لايليق أَنْ يَتَبَنَّاهُ الْحَكِيمُ.

هَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَانِ وَقْعِهَا مِمَّا قَبْلَهَا وَبِهِ تَخْرُجُ عَنْ نِطَاقِ الْحَيْرَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْمُفَسِّرُونَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَ تَعَسُّفٍ فِي مَعْنَاهَا وَنَظْمِهَا وَمَوْقِعِهَا، وَلَمْ يَتِمَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَجْهُ الْمُلَازِمَةِ بَيْنَ شَرْطِ لَوْ وَجَوَابِهَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ عَنْ تَفْسِيرِهَا. فَوَقَعَ فِي «الْكَشَّافِ» مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ زَعْمِ الْمُشْرِكِينَ بُنُوَّةُ الْمَلَائِكَةِ وَجَعْلُ جَوَابِ لَوْ مَحْذُوفًا وَجَعْلُ الْمَذْكُورِ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ إِرْشَادًا إِلَى الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ فِي الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ: «يَعْنِي لَوْ أَرَادَ اللَّهُ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ لَامْتَنَعَ، وَلَمْ يَصِحَّ لِكَوْنِهِ (أَيْ ذَلِكَ الِاتِّخَاذُ) مُحَالًا

وَلَمْ يَتَأَتَّ إِلَّا أَنْ يَصْطَفِيَ مِنْ خَلْقِهِ بَعْضَهُ وَيَخْتَصَّهُمْ وَيُقَرِّبَهُمْ كَمَا يَخْتَصُّ الرَّجُلُ وَلَدَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَلَائِكَةِ فغرّكم اخْتِصَاصه إِيَّاهُمْ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَوْلَادُهُ جَهْلًا مِنْكُمْ بِحَقِيقَتِهِ الْمُخَالَفَةِ لحقائق الْأَجْسَام والأعراض» . فَجُعِلَ مَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ جَوَابُ لَوْ مُفِيدًا مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ الَّذِي يَعْقُبُ الْمُقَدَّمَ وَالتَّالِيَ غَالِبًا، فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِمُرَادِفِهِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي هُوَ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ.

وَلِلْتَفْتَزَانِيِّ بَحْثٌ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِقَامَةِ تَقْرِيرِ «الْكَشَّافِ» لِدَلِيلِ شَرْطِ لَوْ وَجَوَابِهِ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ لَوْ صُهَيْبِيَّةٌ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ ذكره صَاحب «الْكَشْف» . وَبَعْدُ فَإِنَّ كَلَامَ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» يَجْعَلُ هَذِهِ الْآيَةَ مُنْقَطِعَةً عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَيَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ غَرَضٍ مُسْتَأْنَفٍ مَعَ أَنَّ نَظْمَ الْآيَةِ نَظْمُ الِاحْتِجَاجِ لَا نَظْمُ الْإِفَادَةِ، فَكَانَ مَحْمَلُ «الْكَشَّافِ» فِيهَا بَعِيدًا. وَمَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا فَإِنَّ فِي تَقْرِيرِ الْمُلَازَمَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ خَفَاءً وَتَعَسُّفًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّقَّارُ فِي كِتَابِهِ «التَّقْرِيبُ مُخْتَصَرُ الْكَشَّافِ» .