للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَصْفُهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَهُوَ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْطِئَةٌ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِكُفْرَانِ نِعْمَتِهِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: ٧] .

وَجُمْلَةُ لَهُ الْمُلْكُ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ.

وَالْمُلْكُ: أَصْلُهُ مَصْدَرُ مَلَكَ، وَهُوَ مُثَلَّثُ الْمِيمِ إِلَّا أَن مَضْمُون الْمِيمِ خَصَّهُ الِاسْتِعْمَالُ بِمُلْكِ الْبِلَادِ وَرِعَايَةِ النَّاسِ، وَفِيهِ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [آل عمرَان: ٢٦] ، وَصَاحِبُهُ: مَلِكٌ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَجَمْعُهُ: مُلُوكٌ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ الِادِّعَائِيِّ، أَيْ الْمُلْكُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا مُلْكُ الْمُلُوكِ فَهُوَ لِنَقْصِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة:

٢] ،

وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ»

، فَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الْمُلْكُ الْحَقُّ، وَلِذَلِكَ كَانَ ادِّعَاؤُهُمْ شُرَكَاءَ لِلْإِلَهِ الْحَقِّ خَطَأٌ، فَكَانَ الْحَصْرُ الِادِّعَائِيُّ لِإِبْطَالِ ادِّعَاءِ الْمُشْرِكِينَ.

وَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: لَهُ الْمُلْكُ. وَفُرِّعَ عَلَيْهِ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ عَنِ انْصِرَافِهِمْ عَنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ الِانْصِرَافُ حَالَةً اسْتُفْهِمَ عَنْهَا بِكَلِمَةِ أَنَّى الَّتِي هِيَ هُنَا بِمَعْنَى (كَيْفَ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ [الْأَنْعَام: ١٠١] .

وَالصَّرْفُ: الْإِبْعَادُ عَنْ شَيْءٍ، وَالْمَصْرُوفُ عَنْهُ هُنَا مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: عَنْ تَوْحِيدِهِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

وَجَعَلَهُمْ مَصْرُوفَيْنِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ صَارِفًا، فَجَاءَ فِي ذَلِكَ بِالْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: فَأَنَّى تَنْصَرِفُونَ، نَعَيًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ كَالْمَقُودِينَ إِلَى الْكُفْرِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّينَ بِأُمُورِهِمْ يَصْرِفُهُمُ الصَّارِفُونَ، يَعْنِي أَيِمَّةَ الْكُفْرِ أَوِ الشَّيَاطِينَ الْمُوَسْوِسِينَ لَهُمْ.

وَذَلِكَ إِلْهَابٌ لِأَنْفُسِهِمْ لِيَكُفُّوا عَن امْتِثَال أئمتهم الَّذِينَ يَقُولُونَ لَهُمْ: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ [فصلت: ٢٦] ، عَسَى أَنْ يَنْظُرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي دَلَائِلَ الْوَحْدَانِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمْ.