للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَعْدِ الْإِيجَابِ، يُقَالُ: لَكَ عِنْدِي كَذَا أَيْ أَلْتَزِمُ لَكَ بِكَذَا، ثُمَّ يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ يُلْهِمُهُمْ أَنْ يَشَاءُوا مَا لَا يَتَجَاوَزُ قَدْرَ مَا عَيَّنَ اللَّهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ: تَمَنَّهْ، فَلَا يَزَالُ يَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِيُّ فَيَقُولُ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ»

. وَيَجُوزُ أَن مَا يَشاؤُنَ مِمَّا يَقَعُ تَحْتَ أَنْظَارِهِمْ فِي قُصُورِهِمْ وَيَحْجُبُ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا فَوْقَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يسْأَلُون إِلَّا مَا هُوَ مِنْ عَطَاءِ أَمْثَالِهِمْ وَهُوَ عَظِيمٌ وَيَقْلَعُ اللَّهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْ حُظُوظِهِمْ. وَيَجُوزُ أَن مَا يَشاؤُنَ كِنَايَةٌ عَنْ سَعَةِ مَا يُعْطَوْنَهُ كَمَا

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»

وَهَذَا كَمَا يَقُولُ مَنْ أَسْدَيْتَ إِلَيْهِ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ:

لَكَ عَلَيَّ حُكْمُكَ، أَوْ لَكَ عِنْدِي مَا تَسْأَلُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ مَا هُوَ غَايَةُ الْإِحْسَانِ لِأَمْثَالِهِ.

وَعَدَلَ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى وَصْفِ رَبِّهِمْ فِي قَوْلِهِ: عِنْدَ رَبِّهِمْ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ

يُعْطِيهِمْ عَطَاءَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِيثَارِ بِالْخَيْرِ.

ثُمَّ نَوَّهَ بِهَذَا الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا يَشَاءُونَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَنَّهُ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى التَّصْدِيقِ. وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَضَمُّنِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُحْسِنِينَ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ الْمُتَّقُونَ، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِهِمْ فَيُقَالُ: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ، فَوَقَعَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِإِفَادَةِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ.

وَالْإِحْسَانُ: هُوَ كَمَالُ التَّقْوَى لِأَنَّهُ

فَسَّرَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»

وَأَيُّ إِحْسَانٍ وَأَيُّ تَقْوًى أَعْظَمُ مِنْ نبذهم مَا نشأوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَمِنْ تَحَمُّلِهِمْ مُخَالَفَةَ أَهْلِيهِمْ وَذَوِيهِمْ وَعَدَاوَتِهُمْ وَأَذَاهُمْ، وَمِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى مُصَادَرَةِ أَمْوَالِهِمْ وَمُفَارَقَةِ نِسَائِهِمْ تَصْدِيقًا لِلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَإِيثَارًا لِرِضَى اللَّهِ عَلَى شَهْوَةِ النَّفْسِ وَرِضَى الْعَشِيرَةِ.