للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ آلِهَةً لَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا فِي أَحْوَالِ النَّاسِ.

وَالتَّوَفِّي: الْإِمَاتَةُ، وُسُمِّيَتْ تَوَفِّيًا لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَاتَ أَحَدًا فَقَدْ توفّاه أَجله فَالله الْمُتَوَفِّي وَمَلَكُ الْمَوْتِ مُتَوَفٍّ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُبَاشِرُ التَّوَفِّي.

وَالْمَيِّتُ: مُتَوَفَّى بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَشَاعَ ذَلِكَ فَصَارَ التَّوَفِّي مُرَادِفًا لِلْإِمَاتَةِ وَالْوَفَاةُ مُرَادِفَةٌ لِلْمَوْتِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ تَصْرِيفِ ذَلِكَ وَاشْتِقَاقِهِ من مَادَّة الْوَفَاء.

وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣٤] : وَقَوْلِهِ:

قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ [١١] .

وَالْأَنْفُسُ: جَمْعُ نَفْسٍ، وَهِيَ الشَّخْصُ وَالذَّاتُ قَالَ تَعَالَى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَتُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ وَالْإِدْرَاكُ.

وَمَعْنَى التَّوَفِّي يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْفُسِ عَلَى كِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ. وَالْمَعْنَى: يَتَوَفَّى النَّاسَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فَإِنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِالْمَوْتِ هُوَ الذَّاتُ لَا الرُّوحُ وَأَنَّ تَوَفِّيهَا سَلْبُ الْأَرْوَاحِ عَنْهَا.

وَقَوْلُهُ: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفُسِ بِاعْتِبَارِ قَيْدِ حِينَ مَوْتِها لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصْفِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي تَمُوتُ فِي حَالَةِ نَوْمِهَا، وَالْأَنْفُسَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي نَوْمِهَا فَأَفَاقَتْ. وَيَتَعَلَّقُ فِي مَنامِها بِقَوْلِهِ: يَتَوَفَّى، أَيْ وَيَتَوَفَّى أَنْفُسًا لَمْ تَمُتْ يَتَوَفَّاهَا فِي مَنَامِهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَعَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَوَفِّيهَا هُوَ مَنَامُهَا، وَهَذَا جَارٍ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِحَسَبِ عُرْفِ اللُّغَةِ إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى النَّائِمِ مَيِّتَ وَلَا مُتَوَفَّى. وَهُوَ تَشْبِيهٌ نُحِّيَ بِهِ مَنْحَى التَّنْبِيهِ إِلَى حَقِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ فَإِنَّ حَالَةَ النَّوْمِ حَالَةُ انْقِطَاعِ أَهَمِّ فَوَائِدِ الْحَيَاةِ عَنِ الْجَسَدِ وَهِيَ الْإِدْرَاكُ سِوَى أَنَّ أَعْضَاءَهُ الرَّئِيسِيَّةَ لَمْ تَفْقِدْ صَلَاحِيَتَهَا لِلْعَوْدَةِ إِلَى أَعْمَالِهَا حِينَ الْهُبُوبِ مِنَ النَّوْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ