للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِذَلِكَ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ:

لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ وَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ بُعَيْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ [الْبَقَرَة: ٤٥] الْآيَةَ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ هُنَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّها لَكَبِيرَةٌ عِلْمًا مِنْهُ بِضَعْفِ عَزَائِمِهِمْ عَنْ عَظَائِمِ الْأَعْمَالِ وَقَالَ هُنَالِكَ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا هُنَا، وَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يُسِرَّ لَهُمْ مَا يَصْعُبُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَأَنَّهُمُ الْخَاشِعُونَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ هُنَالِكَ، وَزَادَ هُنَا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فَبَشَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَمْتَثِلُ هَذَا الْأَمْرَ وَيُعَدُّ لِذَلِكَ فِي زُمْرَةِ الصَّابِرِينَ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ تَذْيِيلٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيِ اصْبِرُوا لِيَكُونَ اللَّهُ مَعَكُمْ لِأَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ عَطَفَ النَّهْيَ عَلَى الْأَمْرِ قَبْلَهُ لِمُنَاسَبَةِ التَّعَرُّضِ لِلْغَزْوِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا أُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَرَفُوا أَنَّ الْمَوْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَقْوَى مَا يَصْبِرُونَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ نَبَّهَ مَعَ ذَلِكَ على أَن هَذَا الصَّبْرَ يَنْقَلِب شكرا عِنْد مَا يَرَى الشَّهِيدُ كَرَامَتَهُ بعد الشَّهَادَة، وَعند مَا يُوقِنُ ذَوُوهُ بِمَصِيرِهِ مِنَ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ، فَقَوْلُهُ: وَلا تَقُولُوا نَهْيٌ عَنِ الْقَوْلِ النَّاشِئِ عَنِ اعْتِقَادٍ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقُولُ إِلَّا مَا يَعْتَقِدُ فَالْمَعْنَى وَلَا تَعْتَقِدُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَكْمِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَة: ١٤٣] كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَإِنَّهُ قَالَ: «قُتِلَ أُنَاسٌ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ» ، فَأَعْقَبَ قَوْلَهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ بِأَنَّ فَضِيلَةَ شَهَادَتِهُمْ غَيْرُ مَنْقُوصَةٍ.

وَارْتَفَعَ أَمْواتٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ لَا تَقُولُوا هُمْ أَمْوَاتٌ.

وبَلْ لِلْإِضْرَابِ الْإِبْطَالِي إِبْطَالًا لِمَضْمُونِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَوْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى بَلْ قُولُوا هُمْ أَحْيَاءٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ إِخْبَارُ الْمُخَاطَبِينَ هَذَا الْخَبَرَ الْعَظِيمَ،

فَقَوْلُهُ: «أَحْيَاءٌ» هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ بَلْ الْإِضْرَابِيَّةِ.

وَإِنَّمَا قَالَ: وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهَا حَيَاةٌ غَيْرُ جِسْمِيَّةٍ وَلَا مَادِّيَّةٍ