للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غَافِر: ١٤] ثُمَّ أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ فَأَشَارَ إِلَى عِبَادَةَ اللَّهِ بِإِخْلَاصٍ سَبَبٌ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، ثُمَّ أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ فَجِيءَ بِفِعْلِ الْإِلْقَاءِ وَبِكَوْنِ الرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ وَبِصِلَةِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، فَآذَنَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ وَعِلْمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [الْأَنْعَام: ١٢٤] . وَهَذَا يَرْتَبِطُ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ [٢] إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ فَأَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ مُفَرِّعًا عَلَى إِنْزَالِ الْكِتَابِ إِلَيْهِ، وَجَاءَ فِي شَأْنِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ [غَافِر: ١٤] ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ.

وَقَدْ ضَرَبَ لَهُمُ الْعَرْشَ وَالْأَنْبِيَاءَ مَثَلَيْنِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْعَوَالِمِ وَالْعُقَلَاءِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بتسفيه الْمُشْركين فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [الْقَمَر: ٢٤] ، وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الْأَنْعَام: ١٢٤] .

وَتَخْلُصُ مِنْ ذِكْرِ النُّبُوءَةِ إِلَى النِّذَارَةِ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ لِيَعُودَ وَصْفُ يَوْمِ الْجَزَاءِ الَّذِي انْقَطَعَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ [غَافِر: ١٢] إِلَخْ.

وَالْإِنْذَارُ: إِخْبَارٌ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِمَّا يسوء، وَهُوَ ضد التَّبْشِيرِ إِذْ هُوَ إِخْبَارٌ بِمَا فِيهِ مَسَرَّةٌ.

وَفِعْلُهُ الْمُجَرَّدُ: نَذِرَ كَعَلِمَ، يُقَالُ: نَذِرَ بِالْعَدُوِّ فَحَذِرَهُ. وَالْهَمْزَةُ فِي أَنْذَرَ لِلتَّعْدِيَةِ فَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ فَاعِلَ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ، وَأَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ بِهِ بِالْبَاءِ، يُقَالُ: أَنْذَرْتُهُمْ بِالْعَدُوِّ، غَيْرَ أَنَّهُ غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَضْمِينُهُ مَعْنَى التَّحْذِيرِ فَعَدُّوهُ إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْأَعْرَافِ [٢] لِتُنْذِرَ بِهِ فَالْبَاءُ فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوِ الْآلَةِ الْمَجَازِيَّةِ وَلَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ. وَضمير بِهِ عَائِدًا إِلَى الْكِتَابِ.

وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي لِيُنْذِرَ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَادْعُوا اللَّهَ [غَافِر: ١٤] ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مِنْ الْمَوْصُولَةِ لِيُنْذِرَ مَنْ أَلْقَى عَلَيْهِ الرُّوحَ قَوْمَهُ، وَلِأَنَّ