للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة غَافِر (٤٠) : الْآيَات ٢١ إِلَى ٢٢]

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢)

انْتِقَالٌ مِنْ إِنْذَارِهِمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى مَوْعِظَتِهِمْ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ أَنْ يَحِلَّ بهم عَذَاب الدُّنْيَا قبل عَذَابُ الْآخِرَةِ كَمَا حَلَّ بِأُمَمٍ أَمْثَالِهِمْ.

فَالْوَاوُ عاطفة جملَة أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ عَلَى جُمْلَةِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غَافِر: ١٨] إِلَخْ. وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الدَّاخِلِ عَلَى نَفْيٍ فِي الْمَاضِي بِحَرْفِ (لَمْ) ، وَالتَّقْرِيرُ مُوَجَّهٌ لِلَّذِينِ سَارُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَنَظَرُوا آثَارَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَبَادَهُمُ اللَّهُ جَزَاءَ تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، فَهُمْ شَاهَدُوا ذَلِكَ فِي رِحْلَتَيْهِمْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةِ الصَّيْفِ وَإِنَّهُمْ حَدَّثُوا بِمَا شَاهَدُوهُ مَنْ تَضُمُّهُمْ نَوَادِيهِمْ وَمَجَالِسُهُمْ فَقَدْ صَارَ مَعْلُومًا لِلْجَمِيعِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ أُسْنِدَ الْفِعْلُ الْمُقَرَّرُ بِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَالْمُضَارِعُ الْوَاقِعُ بَعْدَ (لَمْ) وَالْمُضَارِعُ الْوَاقِعُ فِي جَوَابِهِ مُنْقَلِبَانِ إِلَى الْمُضِيِّ بِوَاسِطَةِ (لَمْ) . وَتَقَدَّمَ شَبِيهُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي آخِرِ سُورَةِ فَاطِرٍ وَفِي سُورَةِ الرُّومِ.

وَالضَّمِيرُ الْمُنْفَصِلُ فِي قَوْلِهِ: كانُوا هُمْ ضَمِيرُ فَصْلٍ عَائِد إِلَى لِلظَّالِمِينَ [غَافِر: ١٨] وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ أُرِيدُوا بقوله: وَأَنْذِرْهُمْ [غَافِر: ١٨] ، وَضَمِيرُ الْفَصْلِ لِمُجَرَّدِ تَوْكِيدِ الْحُكْمِ وَتَقْوِيَتِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بِهِ قَصْرُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ، أَيْ قَصْرُ الْأَشَدِّيَّةِ عَلَى ضَمِيرِ: كانُوا إِذْ لَيْسَ لِلْقَصْرِ مَعْنًى هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ فِي سُورَةِ طه [١٤] وَهَذَا ضَابِطُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ ضَمِيرِ الْفَصْلِ الَّذِي يُفِيدُ الْقَصْرَ وَبَيْنَ الَّذِي يُفِيدُ