للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ: مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلْمُبْتَدَأِ وَتَجْعَلَ قَوْلَهُ: كِتابٌ خَبَرَ الْمُبْتَدَأ، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ هُوَ أُسْلُوبٌ فَخْمٌ وَقَدْ مَضَى مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الْأَعْرَاف: ١، ٢] .

وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ مُنَزَّلٌ، فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشُّعَرَاء: ١٩٢، ١٩٣] وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي كَوْنِهِ فَعَلَ اللَّهُ تَنْزِيلَهُ، تَحْقِيقًا لِكَوْنِهِ مُوحًى بِهِ وَلَيْسَ مَنْقُولًا مِنْ صُحُفِ الْأَوَّلِينَ. وَتَنْكِيرُ تَنْزِيلٌ وكِتابٌ لِإِفَادَةِ التَّعْظِيمِ.

وَالْكِتَابُ: اسْمٌ لِمَجْمُوعِ حُرُوفٍ دَالَّةٍ عَلَى أَلْفَاظٍ مُفِيدَةٍ وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ كِتَابًا لِأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى بِأَلْفَاظِهِ وَأمر رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَكْتُبَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ اتخذ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتَّابًا يَكْتُبُونَ لَهُ كُلَّ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ. وَإِيثَارُ الصِّفَتَيْنِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْعَلِيَّةِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّنْزِيلَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ [الْأَنْعَام: ١٥٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٧] وَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:

٥١] .

وَالْجَمْعُ بَيْنَ صِفَتَيِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا مُنْتَشِرٌ فِي الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَالْبَسْمَلَةِ. وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى اسْتِحْمَاقِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ رَحْمَةٍ، وَأَنَّ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ هُمْ أَهْلُ الْمَرْحَمَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت: ٤٤] .

وَمَعْنَى: فُصِّلَتْ آياتُهُ بُيِّنَتْ، وَالتَّفْصِيلُ: التَّبْيِينُ وَالْإِخْلَاءُ مِنَ الِالْتِبَاسِ.