للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهُونَهُ مِمَّا يَقَعُ تَحْتَ الْحِسِّ وَمَا تَتَمَنَّوْنَهُ فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ مِمَّا يَجُولُ فِي الْخَيَالِ، فَمَا يَدَّعُونَ غَيْرَ مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ.

وَلِهَذِهِ الْمُغَايَرَةِ أُعِيدَ لَكُمْ

لِيُؤْذِنَ بِاسْتِقْلَالِ هَذَا الْوَعْدِ عَنْ سَابِقِهِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَطْفَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ.

وَالنُّزُلُ بِضَمِّ النُّونِ وَضَمِّ الزَّايِ: مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ مِنَ الْقِرَى، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النُّزُولِ لِأَنَّهُ كَرَامَةُ النَّزِيلِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِمَا يُعْطُونَهُ مِنَ الرَّغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ رِزْقًا أَمْ غَيْرَهُ.

وَوَجْهُ الشَّبَهِ سُرْعَةُ إِحْضَارِهِ كَأَنَّهُ مُهَيَّأٌ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَشْتَهُوهُ أَوْ يَتَمَنَّوْهُ.

ومِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ صِفَةُ نُزُلًا، ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ.

وَانْتَصَبَ نُزُلًا عَلَى الْحَالِ مِنْ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ

. وَمَا تَدَّعُونَ

حَالَ كَوْنِهِ كَالنُّزُلِ الْمُهَيَّأِ لِلضَّيْفِ، أَيْ تُعْطَوْنَهُ كَمَا يُعْطَى النُّزُلُ لِلضَّيْفِ.

وَأُوثِرَتْ صِفَتَا (الْغَفُورِ الرَّحِيمِ) هُنَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ أَوْ لِأَكْثَرِهِمُ اللَّمَمَ وَمَا تَابُوا مِنْهُ، وَأَنَّهُ رَحِيمٌ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَهُ وَيَخَافُونَهُ ويناصرون دينه.

[٣٣]

[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٣٣]

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)

لَيْسَ هَذَا مِنْ حِكَايَةِ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَجَّهٌ مِنَ اللَّهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت: ٣٠] ، وَاسْتَقَامُوا، وَتَوْجِيهٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةَ الشَّرِيفَةَ، وَقَمْعٌ لِلْمُشْرِكِينَ إِذْ تَقْرَعُ أَسْمَاعَهُمْ، أَيْ كَيْفَ لَا يَكُونُونَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ وَقَدْ قَالُوا أَحْسَنَ الْقَوْلِ وَعَمِلُوا أَحْسَنَ الْعَمَلِ. وَذِكْرُ هَذَا الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِحُسْنِ قَوْلِهِمْ عَقِبَ ذِكْرِ مَذَمَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَوَعِيدِهِمْ عَلَى سُوءِ قَوْلِهِمْ: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ [فصلت: ٢٦] ، مُشْعِرٌ لَا مَحَالَةَ بِأَنَّ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بَوْنًا بَعيدا، طرفاه: الْأَحْسَن الْمُصَرُّحُ بِهِ، وَالْأَسْوَأُ الْمَفْهُومُ بِالْمُقَابَلَةِ، أَيْ فَلَا يَسْتَوِي الَّذِينَ قَالُوا أَحْسَنَ الْقَوْلِ وَعَمِلُوا أَصْلَحَ الْعَمَلِ مَعَ الَّذِينَ قَالُوا أَسْوَأَ الْقَوْلِ وَعَمِلُوا أَسْوَأَ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا عَقَّبَ بُقُولِهِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ [فصلت: ٣٤] .