للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَحْدِيدُ هَذَيْنِ الِاتِّصَالَيْنِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ آرَاءُ الْمُفَسِّرِينَ، وَعَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمَا جَرَى اخْتِلَافُهُمْ فِي مَوْقِعِهَا مِنَ الْإِعْرَاب وَفِي مواقع أَجْزَائِهَا مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَقْدِيرٍ.

فَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَوْلَهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ إِبْدَالُ الْمُفْرَدِ مِنَ الْمُفْرَدِ بَدَلًا مُطَابِقًا أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَأَنَّهُ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ وَهُوَ حَرْفُ إِنَّ وَإِنْ كَانَتْ إِعَادَةُ الْعَامِلِ مَعَ الْبَدَل غير مَشْهُورَة إِلَّا فِي حَرْفِ الْجَرِّ كَمَا قَالَ الرَّضِيُّ، فَكَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي «الْمُفَصَّلِ» يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِمِثَالَيْنِ عَامِلُهُمَا حَرْفُ جَرٍّ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقَدَّرُ خَبَرٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ خَبَرٌ عَنِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُهُ:

لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا [فصلت: ٤٠] .

وَعَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَالْكِسَائِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ جُمْلَةَ:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِ إِنَّ خَبَرًا. فَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو فَقَالَ:

خَبَرُ إِنَّ قَوْلُهُ: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: ٤٤] .

حُكِيَ أَنَّ بِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ سُئِلَ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ خَبَرِ إِنَّ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَهَا نَفَاذًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّهُ مِنْكَ لَقَرِيبٌ: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. وَهُوَ يَقْتَضِي جَعْلَ الْجُمَلِ الَّتِي بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا جُمَلًا مُعْتَرِضَةً وَهِيَ نَحْوُ سَبْعٍ. وَأَمَّا الْكِسَائِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَدَّرُوا خَبَرًا لِاسْمِ إِنَّ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ [فصلت: ٤٠] ، فَنُقَدِّرُ الْخَبَرَ، يُلْقُونَ فِي النَّارِ، مَثَلًا. وَسَأَلَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنِ الْخَبَرِ، فَقَالَ عَمْرٌو: مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ كَفَرُوا بِهِ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. فَقَالَ عِيسَى: أَجَدْتَ يَا أَبَا عُثْمَانَ.

وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا بَدَلَ اشْتِمَال إِن. ريد بِالْآيَاتِ فِي قَوْلِهِ: فِي آياتِنا مُطْلَقُ الْآيَاتِ، أَوْ بَدَلًا مُطَابِقًا إِنْ أُرِيدَ بِالْآيَاتِ آيَاتُ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ الْخَبَرُ قَوْلُهُ: مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [فصلت: ٤٣] ، أَيْ مَا يُقَالُ لَكَ فِيهِمْ إِلَّا مَا قَدْ قُلْنَا لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ فِي مُكَذِّبِيهِمْ، أَوْ مَا يَقُولُونَ إِلَّا كَمَا قَالَهُ الْأُمَمُ