للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَقْبَلْتُ زَحْفًا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أَجُرُّ

وَجُمْلَةُ لَا رَيْبَ فِيهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ. وَمَعْنَى لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ دَلَائِلَهُ تَنْفِي الشَّكَّ فِي أَنَّهُ سَيَقَعُ فَنَزَّلَ ريب المرتابين فِي مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْيَقِينَ بِوُقُوعِهِ بَيِّنَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢] . وَظَرْفِيَّةُ الرَّيْبِ الْمَنْفِيِّ فِي ضَمِيرِ الْيَوْمِ فِي قَوْلِهِ: لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ بَابِ إِيقَاعِ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ عَلَى اسْمِ الذَّاتِ، وَالْمُرَادُ: إِيقَاعُهُ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِهَا الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمَقَامُ مِثْلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: ٣] ، أَيْ أَكْلُهَا، أَيْ لَا رَيْبَ فِي وُقُوعِهِ. وَجُمْلَةُ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ وفَرِيقٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَذْفِ الْمُتَابَعِ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ كَمَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ، أَيْ هُمْ فَرِيقٌ فِي الجنّة إِلَخ.

[٨]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٨]

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: ٧] . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ إِفَادَةُ أَنَّ كَوْنَهُمْ فَرِيقَيْنِ أَمْرٌ شَاءَ اللَّهُ تَقْدِيرَهُ، أَيْ أَوْجَدَ أَسْبَابَهُ بِحِكْمَتِهِ وَلَوْ شَاءَ لَقَدَّرَ أَسْبَابَ اتِّحَادِهِمْ عَلَى عَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْهُدَى فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْمَصِيرِ، وَالْمُرَادُ: لَكَانُوا جَمِيعًا فِي الْجَنَّةِ.

وَهَذَا مَسُوقٌ لتسلية الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى تَمَنِّيهِمْ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُهْتَدِينَ وَيَكُونَ جَمِيعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْأَمْرَيْنِ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، لَأَنَّ هَذَا الشِّقَّ الثَّانِيَ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِبَيَانِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ. فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السَّجْدَة:

١٣] وَقَوْلِهِ: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يُونُس: ٩٩] .

وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ