للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالذَّرْءُ: بَثُّ الْخَلْقِ وَتَكْثِيرُهُ، فَفِيهِ مَعْنَى تَوَالِي الطَّبَقَاتِ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلنَّاسِ مِنْ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ بِاعْتِبَارِهَا أَزْوَاجًا سِوَى مَا يَحْصُلُ مِنْ نَسْلِهَا.

وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: يَذْرَؤُكُمْ لِلْمُخَاطَبِينَ بَقَوْلِهِ: جَعَلَ لَكُمْ. وَمُرَادُ شُمُولِهِ لِجَعْلِ أَزْوَاجٍ مِنَ الْأَنْعَامِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ لِأَنَّ ذِكْرَ أَزْوَاجِ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ هَمَلًا بَلْ مُرَادًا مِنْهُ زِيَادَةُ الْمِنَّةِ فَإِنَّ ذَرْءَ نَسْلِ الْإِنْسَانِ نِعْمَةٌ لِلنَّاسِ وَذَرْءَ نَسْلِ الْأَنْعَامِ نِعْمَةٌ أُخْرَى لِلنَّاسِ، وَلِذَلِكَ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَزْوَاجِ فِي جَانِبِ الْأَنْعَامِ عَنْ ذِكْرِ الذَّرْءِ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلنَّاسِ فِي تَزَاوُجِ الْأَنْعَامِ سِوَى مَا يَحْصُلُ مِنْ نَسْلِهَا. وَإِذْ كَانَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ الْعُقَلَاءِ وَكَانَ ضَمِيرَ خِطَابٍ فِي حِينِ أَنَّ الْأَنْعَامَ لَيْسَتْ عُقَلَاءَ وَلَا مُخَاطَبَةً، فَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الضَّمِيرِ تَغْلِيبُ الْعُقَلَاءِ إِذْ لَمْ يُذْكَرْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ لِلْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ كَأَنْ يُقَالَ: يَذَرَاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى تَأْوِيلِ إِرَادَةِ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ.

وَجَاءَ فِيهِ تَغْلِيبُ الْخِطَابِ عَلَى الْغَيْبَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِيهِ تَغْلِيبَانِ وَهُوَ تَغْلِيبٌ دَقِيقٌ إِذِ اجْتَمَعَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ نَوْعَانِ مِنَ التَّغْلِيبِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْكَشَّافُ وَالسَّكَّاكِيُّ فِي مَبْحَثِ التَّغْلِيبِ مِنَ «الْمِفْتَاحِ» .

وَضَمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى الْجَعْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ جَعَلَ لَكُمْ، أَيْ فِي الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: ٨] . وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي يَذْرَؤُكُمْ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالتَّجَدُّدُ أَنْسَبُ بِالِامْتِنَانِ.

وَحَرْفُ (فِي) مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى السَّبَبِيَّةِ تَشْبِيهًا لِلسَّبَبِ بِالظَّرْفِ فِي احْتِوَائِهِ عَلَى مُسَبَّبَاتِهِ

كَاحْتِوَاءِ الْمَنْبَعِ عَلَى مَائِهِ وَالْمَعْدِنِ عَلَى تُرَابِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [الْبَقَرَة: ١٧٩] .

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

خَبَرٌ ثَالِثٌ أَوْ رَابِعٌ عَنِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الشورى: ٩] .

وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَالنَّتِيجَةِ لِلدَّلِيلِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ مَا هُوَ نِعَمٌ عَظِيمَةٌ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُمَاثِلُهُ