للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ الْعَظِيمِ، كَقَوْلِهِمْ: أَمِرَ أَمْرُ فُلَانٍ، أَيْ شَأْنُهُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [الْقدر: ٤] .

وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ: مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِتَلْقِينِ كَلَامٍ مُعَيَّنٍ مَأْمُورٍ بِإِبْلَاغِهِ إِلَى النَّاسِ بِلَفْظِهِ دُونَ تَغَيُّرٍ وَهُوَ الْوَحْيُ الْقُرْآنِيُّ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَمْرَانِ: الْهِدَايَةُ وَالْإِعْجَازُ، أَمْ كَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذَلِكَ بَلِ الرَّسُولُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ بِهِ الْإِعْجَازُ، أَوْ بِإِلْقَاءِ الْمَعْنَى إِلَى الرَّسُولِ بِمُشَافَهَةِ الْمَلَكِ، وَلِلرَّسُولِ فِي هَذَا أَنْ يَتَصَرَّفَ مِنْ أَلْفَاظِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِمَا يُرِيدُ التَّعْبِيرَ بِهِ أَوْ بِرُؤْيَا الْمَنَامِ أَوْ بِالْإِلْقَاءِ فِي النَّفْسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتِتَامُ هَذِهِ السُّورَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ افْتِتَاحِهَا بقوله: كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الشورى: ٧] الْآيَةَ فِيهِ مُحَسِّنُ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.

وَجُمْلَةُ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ أَوْحَيْنا أَيْ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فِي حَالَ انْتِفَاءِ عِلْمِكَ بِالْكِتَابِ وَالْإِيمَانِ، أَيْ أَفَضْنَا عَلَيْكَ مَوْهِبَةَ الْوَحْيِ فِي حَالِ خُلُوِّكَ عَنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَعِلْمِ الْإِيمَانِ. وَهَذَا تَحَدٍّ لِلْمُعَانِدِينَ لِيَتَأَمَّلُوا فِي حَال الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَعْلَمُوا أَنَّ مَا أُوتِيَهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَالْآدَابِ الْخُلُقِيَّةِ هُوَ مِنْ مَوَاهِبِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ مُزَاوَلَتُهَا، وَيَتَضَمَّنُ امْتِنَانًا عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمَعْنَى عَدَمِ دِرَايَةِ الْكِتَابِ: عَدَمُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ أَوْ فَهْمِهِ. وَمَعْنَى انْتِفَاءِ دِرَايَةِ الْإِيمَانِ: عَدَمُ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْإِيمَانُ عَلَى مَا يُرَادِفُ الْإِسْلَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَة: ١٤٣] وَهُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي يَزِيدُ وَيَنْقُصُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً [المدثر: ٣١] . فَيُزَادُ فِي مَعْنَى عَدَمِ دِرَايَةِ الْإِيمَانِ انْتِفَاءُ تَعَلُّقِ علم الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. فَانْتِفَاءُ دِرَايَتِهِ بِالْإِيمَانِ مِثْلُ انْتِفَاءِ دِرَايَتِهِ بِالْكِتَابِ، أَيِ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِحَقَائِقِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: مَا كُنْتَ تَدْرِي وَلَمْ يَقُلْ: مَا كُنْتَ مُؤْمِنًا.