للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَائِقِ الْفُلْكِ، فَهَذَا أَيْضًا مِنَ التَّغْلِيبِ. وَالْمَعْنَى: عَلَى ظُهُورِهِ وَفِي بُطُونِهِ. فَضَمِيرُ ظُهُورِهِ عَائِدٌ إِلَى مَا الْمَوْصُولَةِ الصَّادِقِ بِالْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْبَيَانِ، عَلَى أَنَّ السَّفَائِنَ

الْعَظِيمَةَ تَكُونُ لَهَا ظُهُورٌ، وَهِيَ أَعَالِيهَا الْمَجْعُولَةُ كَالسُّطُوحِ لِتَقِيَ الرَّاكِبِينَ الْمَطَرَ وَشِدَّةَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ. وَلِذَلِكَ فَجَمْعُ الظُّهُورِ مِنْ جَمْعِ الْمُشْتَرِكِ وَالتَّعْدِيَةُ بِحَرْفِ عَلى بُنِيَتْ عَلَى أَنَّ لِلسَّفِينَةِ ظَهْرًا قَالَ تَعَالَى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٨] .

وَقَدْ جُعِلَ قَوْلُهُ: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى ذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ أَيْ حِينَئِذٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ النِّعْمَةِ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِمَنَافِعِهَا أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ وَأَدْعَى لِلشُّكْرِ عَلَيْهَا. وَأَجْدَرُ بِعَدَمِ الذُّهُولِ عَنْهَا، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ ذَلِكَ نِعْمَةً لِتَشْعُرُوا بِهَا فَتَشْكُرُوهُ عَلَيْهَا، فَالذِّكْرُ هُنَا هُوَ التَّذَكُّرُ بِالْفِكْرِ لَا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ.

وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ تَقَلَّبُوا فِي نَعَمِ اللَّهِ وَشَكَرُوا غَيْرَهُ إِذِ اتَّخَذُوا لَهُ شُرَكَاءَ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَهُمْ لَمْ يُشَارِكُوهُ فِي الْأَنْعَامِ. وَذِكْرُ النِّعْمَةِ كِنَايَةٌ عَنْ شُكْرِهَا لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لَازِمٌ لِلْإِنْعَامِ عُرْفًا فَلَا يَصْرِفُ عَنْهُ إِلَّا نِسْيَانُهُ فَإِذَا ذَكَرَهُ شَكَرَ النِّعْمَةَ.

وَعَطَفَ عَلَى تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ قَوْلَهُ: وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا، أَيْ لِتَشْكُرُوا اللَّهَ فِي نُفُوسِكُمْ وَتُعْلِنُوا بِالشُّكْرِ بِأَلْسِنَتِكُمْ، فَلَقَّنَهُمْ صِيغَةَ شُكْرٍ عِنَايَةً بِهِ كَمَا لَقَّنَهُمْ صِيغَةَ الْحَمْدِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَصِيغَةَ الدُّعَاءِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَافْتَتَحَ هَذَا الشُّكْرَ اللِّسَانِيَّ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِلثَّنَاءِ إِذِ التَّسْبِيحُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنِ النَّقَائِصِ بِالصَّرِيحِ وَيَدُلُّ ضِمْنًا عَلَى إِثْبَاتِ الْكِمَالَاتِ لِلَّهِ فِي الْمَقَامِ الْخَطَابِيِّ. وَاسْتِحْضَارُ الْجَلَالَةِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ الْمَوْصُولُ مِنْ عِلَّةِ التَّسْبِيحِ حَتَّى يَصِيرَ الْحَمْدُ الَّذِي أَفَادَهُ التَّسْبِيحُ شُكْرًا لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّسْخِيرِ لَنَا.