للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرَّهْوُ: الْفَجْوَةُ الْوَاسِعَةُ. وَأَصْلُهُ مَصْدَرُ رَهَا، إِذَا فَتَحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَسُمِّيَتِ الْفَجْوَةُ رَهْوًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَانْتَصَبَ رَهْواً عَلَى الْحَالِ مِنَ الْبَحْرِ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ مِثْلُ رَهْوٍ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابًا عَن سُؤال ناشىء عَنْ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْبَحْرِ مَفْتُوحًا، وَضَمِيرُ إِنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ [الدُّخان: ٢٢] وَالْجُنْدُ: الْقَوْمُ وَالْأُمَّةُ وَعَسْكَرُ الْمَلِكِ.

وَإِقْحَامُ لِفَظِ جُنْدٌ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مُغْرَقُونَ لِإِفَادَةِ أَنَّ إِغْرَاقَهُمْ قَدْ لَزِمَهُمْ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ عِنْدِيَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] .

[٢٥- ٢٨]

[سُورَة الدُّخان (٤٤) : الْآيَات ٢٥ الى ٢٨]

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨)

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فكهين (٢٧) كَذلِكَ.

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مَسُوقٌ لِلْعِبْرَةِ بِعَوَاقِبِ الظَّالِمِينَ الْمَغْرُورِينَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْقُوَّةِ، غُرُورًا أَنْسَاهُمْ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ فِيمَا يُرْضِيهِ، فَمَوْقِعُ هَذَا الِاسْتِئْنَافِ مُوقِعُ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ أَوِ الْبَيَانِ مِنَ الْإِجْمَالِ لِمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ [الدُّخان: ١٧] مِنَ التَّنْظِيرِ الْإِجْمَالِيِّ.

وَضَمِيرُ تَرَكُوا عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ [الدُّخان: ٢٤] .

وَالتَّرْكُ حَقِيقَتُهُ: إِلْقَاءُ شَيْءٍ فِي مَكَان منتقل عَنْهُ إِبْقَاءً اخْتِيَارِيًّا، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ وَالشَّيْءِ الَّذِي فِي مَكَانِ غَلَبَةٍ دُونَ اخْتِيَارٍ وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ يُقَالُ: تَرَكَ الْمَيِّتُ مَالًا، وَمِنْهُ سُمِّي مُخَلَّفُ الْمَيِّتِ تَرِكَةً وَهُوَ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَفِعْلُ تَرَكُوا مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُمْ أُغْرِقُوا وَأُعْدِمُوا، وَذَلِكَ مُقْتَضَى أَنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى

مِنَ الْإِسْرَاءِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا مَعَهُ مِنِ اتِّبَاعِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُمْ وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ