للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: بلَى. قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً، وَقَالَ: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فَلَمْ نَجِدْهُ بَقِيَ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَرَجَعَ عُثْمَانُ إِلَى ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بُنِيَ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ شُمُولَ الصُّوَرِ النَّادِرَةِ الَّتِي يَحْتَمِلُهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ هُوَ اللَّائِقُ بِكَلَامِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ الَّذِي أَنْزَلَهُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَحْكَامِ الْحَمْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَعْنَاهَا مَعْنَى فَاءُ التَّفْرِيعِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِذْ كَانَتْ حَتَّى لَا يُفَارِقُهَا مَعْنَى الْغَايَةِ كَانَتْ مُؤْذِنَةً هُنَا بِأَنَّ الْإِنْسَانَ تَدَرَّجَ فِي أَطْوَارِهِ مِنْ وَقْتِ فِصَالِهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ، أَيْ هُوَ مُوصًى بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا فِي الْأَطْوَارِ الْمُوَالِيَةِ لِفِصَالِهِ، أَيْ يُوصِيهِ وَلِيُّهُ فِي أَطْوَارِ طُفُولَتِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ وَصِيَّةِ اللَّهِ فِي وَقْتِ تَكْلِيفِهِ.

وَوُقُوعُ إِذا بَعْدَ حَتَّى لِيُرَتَّبَ عَلَيْهَا تَوْقِيتُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مِنَ الْخَبَرِ، أَيْ كَانَتِ الْغَايَةُ وَقْتَ بُلُوغِهِ الْأَشُدَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُ ذَلِكَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٢] .

وَلَمَّا كَانَ إِذا ظَرْفًا لِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ كَانَ الْفِعْلُ الْمَاضِي بَعْدَهَا مُنْقَلِبًا إِلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَإِنَّمَا صِيغَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي تَشْبِيهًا لِلْمُؤَكَّدِ تَحْصِيلُهُ بِالْوَاقِعِ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ.

وإِذا تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ، وَالْمَعْنَى: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، أَيْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا إِلَى أَنْ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ فَإِذَا بَلَغَهُ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي، أَيْ طَلَبَ الْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِأَنْ يُلْهِمَهُ الشُّكْرَ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ. وَمِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ أَنْ أَلْهَمَهُ الْإِحْسَانَ لِوَالِدَيْهِ.