للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخِطَابُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْرِ بِطَاعَةِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَنُّبِ مَا يُبْطِلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ اعْتِبَارًا بِمَا حُكِيَ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ومشاقة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَوَصْفُ الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مُقَابِلُ وَصْفِ الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [مُحَمَّد: ٣٢] ، وَطَاعَةُ اللَّهِ مُقَابِلُ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَطَاعَةُ الرَّسُولِ ضِدُّ مشاقة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِبْطَالِ الْأَعْمَالِ ضِدُّ بُطْلَانِ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا. فطاعة

الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا هِيَ امْتِثَالُ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ التَّشْرِيعِ فَطَاعَةُ أَمر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ طَاعَةُ انْتِصَاحٍ وَأَدَبٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تُطِعْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَاجَعَةِ زَوْجِهَا مُغِيثٍ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّ أَمْرَهُ إِيَّاهَا لَيْسَ بِعَزْمٍ.

وَالْإِبْطَالُ: جَعْلُ الشَّيْءِ بَاطِلًا، أَيْ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، فَالْإِبْطَالُ تَتَّصِفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَوْجُودَةُ.

وَمَعْنَى النَّهْيِ عَنْ إِبْطَالِهِمُ الْأَعْمَالَ: النَّهْيُ عَنْ أَسْبَابِ إِبْطَالِهَا، فَهَذَا مَهْيَعُ قَوْلِهِ:

وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ. وَتَسْمَحُ مَحَامِلُهُ بِأَنْ يَشْمَلَ النَّهْيَ وَالتَّحْذِيرَ عَنْ كُلِّ مَا بَيَّنَ الدِّينُ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْعَمَلِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِثْلَ الرِّدَّةِ وَمِثْلَ الرِّيَاءِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ ثَوَابَهُ.

وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [الْبَقَرَة: ٢٦٤] . وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ ارْتِكَابُ الْفَوَاحِشِ مُبْطِلًا لِثَوَابِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَيَحْمِلُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا بَلَغَهَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَقَدَ عَقْدًا تَرَاهُ عَائِشَةُ حَرَامًا: أَخْبَرُوا زَيْدًا أَنَّهُ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَمْ يَتْرُكْ فَعْلَهُ هَذَا وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْإِحْبَاطِ بِجِهَادِهِ وَإِنَّمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ أَنْفَسُ عَمَلٍ عِنْدَهُ.

وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ: لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ. ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي «الِاسْتِيعَابِ» : «أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ غَزَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَغَزَوْتُ مِنْهَا مَعَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَفْهَامِ فِي الْمَعْنِيِّ بِإِبْطَالِ الْأَعْمَالِ وَمَا يُبْطِلُهَا وَأَحْسَنُ