للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَعَهُّدِهِمْ بِإِعَانَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِسُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ خِيفَةً إِذْ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْدَاءً لَهُمْ مُنْبَثُّونَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.

فَعَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَرَّعَ نَهْيَهُمْ عَنِ الْوَهَنِ وَعَنِ الْمَيْلِ إِلَى الدَّعَةِ وَوَعْدَهُمْ بِأَنَّهُمُ الْمُنْتَصِرُونَ وَأَنَّ اللَّهَ مُؤَيِّدُهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ التَّفْرِيعُ عَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ:

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [مُحَمَّد: ٣١] .

وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ الْوَهَنِ وَعَنِ الدُّعَاءِ إِلَى السَّلْمِ تَحْذِيرٌ مِنْ أَمْرٍ تَوَفَّرَتْ أَسْبَابُ حُصُولِهِ مُتَهَيِّئَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى الْحَرْبِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهَا وَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ وَهَنٍ حَصَلَ لَهُمْ وَلَا عَنْ دُعَائِهِمْ إِلَى السَّلْمِ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَبْلَ غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي مُدَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّ التَّحْذِيرَ مِنْ أَنْ يَسْتَوْهِنَهُمُ الْمُنَافِقُونَ عِنْدَ تَوَجُّهِ أَمْرِ الْقِتَالِ فَيَقُولُوا: لَوْ سَالَمْنَا الْقَوْمَ مُدَّةً حَتَّى نَسْتَعِيدَ عُدَّتَنَا وَنَسْتَرْجِعَ قُوَّتَنَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ، وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ مَفْلُولِينَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، يَتَرَبَّصُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فُرْصَةً يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهَا لِمَا ضَايَقَهُمْ مِنْ تَعَرُّضِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِي طَرِيقِ تِجَارَتِهِمْ إِلَى الشَّامِ مِثْلَ مَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ السَّوِيقِ، وَغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ مُنَافِقُونَ وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ خَرَجُوا مِنْهَا مَعَ أبي عَامر الضبغي الْمُلَقَّبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرَّاهِبِ وَالَّذِي غيّر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَبَهُ فَلَقَّبَهُ الْفَاسِقَ.

كَانَ مِنَ الْمُتَوَقَّعِ أَنْ يَكِيدَ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْدَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ فَيُظَاهِرُوا عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكِينَ مُتَسَتِّرِينَ بِعِلَّةِ طَلَبِ السَّلْمِ فَحَذَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَقَعُوا فِي هَذِهِ الْحِبَالَةِ.

وَالْوَهَنُ: الضَّعْفُ وَالْعَجْزُ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي طَلَبِ الدَّعَةِ. وَمَعْنَاهُ: النَّهْيُ عَنْ إِسْلَامِ أَنْفُسِهِمْ لِخَوَاطِرِ الضَّعْفِ، وَالْعَمَلُ بِهَذَا النَّهْيِ يكون باستحضار مساوي تِلْكَ الْخَوَاطِرِ فَإِنَّ الْخَوَاطِرَ الشِّرِّيرَةَ إِذَا لَمْ تُقَاوِمْهَا هِمَّةُ الْإِنْسَانِ دَبَّتْ فِي نَفْسِهِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى تَتَمَكَّنَ

مِنْهَا فَتُصْبِحَ مَلَكَةً وَسَجِيَّةً. فَالْمَعْنَى: ادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ خَوَاطِرَ الْوَهَنِ وَاجْتَنِبُوا مَظَاهِرَهُ، وَأَوَّلُهَا الدُّعَاءُ إِلَى السَّلْمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ. وَالنَّهْيُ عَنِ الْوَهَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَوْمَئِذٍ فِي حَالِ وَهَنٍ.