للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَضَمِيرُ جَعَلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ [الْفَتْح: ٢٥] مِنْ قَوْلِهِ: لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا [الْفَتْح: ٢٥] وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْتِفَاتٌ.

والَّذِينَ كَفَرُوا مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِ جَعَلَ. والْحَمِيَّةَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا، وفِي قُلُوبِهِمُ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ جَعَلَ، أَيْ تَخَلَّقُوا بِالْحَمِيَّةِ فَهِيَ دَافِعَةٌ بِهِمْ إِلَى أَفْعَالِهِمْ لَا يُرَاعُونَ مَصْلَحَةً وَلَا مَفْسَدَةً فَكَذَلِكَ حِينَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وفِي قُلُوبِهِمُ مُتَعَلِّقٌ بِ جَعَلَ، أَيْ وَضَعَ الْحَمِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ عَطْفُ بَيَانٍ لِلْحَمِيَّةِ قُصِدَ مِنْ إِجْمَالِهِ ثُمَّ تَفْصِيلِهِ تَقْرِيرُ مَدْلُولِهِ وَتَأْكِيدُهُ مَا يَحْصُلُ لَوْ قَالَ: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ.

وَإِضَافَةُ الْحَمِيَّةِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ لِقَصْدِ تَحْقِيرِهَا وَتَشْنِيعِهَا فَإِنَّهَا مِنْ خُلُقِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ انْتِسَابُ ذَمٍّ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [آل عمرَان: ١٥٤] وَقَوْلِهِ: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [الْمَائِدَة: ٥٠] .

وَيَعْكِسُ ذَلِكَ إِضَافَةُ السَّكِينَةِ إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ لِأَنَّ السَّكِينَةَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ فَهِيَ مَوْهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ.

وَتَفْرِيعُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَدُّوا أَنْ يُقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ عَنْوَةً غَضَبًا مِنْ صَدِّهِمْ عَنْهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ.

وَالْمُرَادُ بِالسَّكِينَةِ: الثَّبَاتُ وَالْأَنَاةُ، أَيْ جَعَلَ فِي قُلُوبِهِمُ التَّأَنِّيَ وَصَرَفَ عَنْهُمُ الْعَجَلَةَ، فَعَصَمَهُمْ مِنْ مُقَابَلَةِ الْحَمِيَّةِ بِالْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ فَقَابَلُوا الْحَمِيَّةَ بِالتَّعَقُّلِ وَالتَّثَبُّتِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ.