للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَعَلَّقُ بِجِبَاهِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ مِثْلَ مَا تَعَلَّقَ بجبهة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ وَالْمَاءِ لَمَّا وَكَفَ الْمَسْجِدَ صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ السَّعِيدُ وَعِكْرِمَةُ: الْأَثَرُ كَالْغُدَّةِ يَكُونُ فِي جَبْهَةِ الرَّجُلِ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ حُدُوثَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ وَلَكِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ

بِسَبَبِ تَكَرُّرِ مُبَاشَرَةِ الْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ وَبَشَرَاتُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِي التَّأَثُّرِ بِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَكَلَّفُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رِيَاءً.

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَسْجُدُونَ عَلَى التُّرَابِ لَا عَلَى الْأَثْوَابِ.

وَإِلَى النَّحْوِ الثَّانِي فَسَّرَ الْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالرَّبِيعُ وَمُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جَزْءٍ وَالضَّحَّاكُ. فَقَالَ الْأَعْمَشُ: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ عَنْ عَطَاءٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ حُسْنُ السَّمْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ نُورٌ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: بَيَاضٌ وَصُفْرَةٌ وَتَهَيُّجٌ يَعْتَرِي الْوُجُوهَ مِنَ السَّهَرِ. وَإِلَى النَّحْوِ الثَّالِثِ فَسَّرَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ وَالْحَسَنُ أَيْضًا وَخَالِدٌ الْحَنَفِيُّ وَعَطِيَّةُ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: أَنَّهَا سِيمَا تَكُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالُوا: هِيَ بَيَاضٌ يَكُونُ فِي الْوَجْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ كَرَامَةً لَهُمْ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الْفَتْح: ٢٩] النُّورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،

قِيلَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَعْطِيلَ بَقِيَّةِ الِاحْتِمَالَاتِ إِذْ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ السِّيمَا الْمَحْمُودَةِ ولكنّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَعْلَاهَا.

وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: تَراهُمْ ويَبْتَغُونَ وسِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ عَائِدَةٌ إِلَى الَّذِينَ مَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِلَى كُلٍّ مِنْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.