للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلِهِ:

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، وَقَوْلِهِ: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ [الحجرات: ٩] قَدْ أُرْدِفَ بِالتَّعْلِيلِ فَحَصَلَ تَقْرِيرُهُ، ثُمَّ عُقِّبَ بِالتَّفْرِيعِ فَزَادَهُ تَقْرِيرًا.

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا النَّظْمِ مَا يُشْبِهُ الدَّعْوَى وَهِيَ كَمَطْلُوبِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ مَا يُشْبِهُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ مَا يُشْبِهُ النَّتِيجَةَ.

وَلَمَّا تَقَرَّرَ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَالَ التَّقَرُّرِ عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، إِلَى قَوْلِهِ: بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ فَهُوَ وَصْفٌ جَدِيدٌ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فَتَعَيَّنَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ فَتَأَمَّلْ.

وَأُوثِرَتْ صِيغَةُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: أَخَوَيْكُمْ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْكَلَامِ جَارٍ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَجُعِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ كَالْأَخِ لِلْأُخْرَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الْأَخِ، أَيْ بَيْنَ الطَّائِفَةِ وَالْأُخْرَى مُرَاعَاةً لِجَرَيَانِ الْحَدِيثِ عَلَى اقْتِتَالِ طَائِفَتَيْنِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الْأَخِ عَلَى تَشْبِيهِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِأَخٍ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ بَعْدَ الْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ أَخٍ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَالْأَخِ.

وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَشْمَلُ الطَّائِفَتَيْنِ الْبَاغِيَةَ وَالْمَبْغِيَّ عَلَيْهَا، وَيَشْمَلُ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ أمروا بالإصلاح بَيْنَمَا وَمُقَاتَلَةِ الْبَاغِيَةِ، فَتَقْوَى كُلٌّ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كُلًّا مِمَّا يَخُصُّهُ، وَهَذَا يُشْبِهُ التَّذْيِيلَ. وَمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ: تُرْجَى لَكُمُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ فَتَجْرِي أَحْوَالُكُمْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَصَلَاحٍ. وَإِنَّمَا اخْتِيرَتِ الرَّحْمَةُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى وَاقِعٌ إِثْرَ تَقْرِيرِ حَقِيقَةِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَأْنُ تَعَامُلِ الْإِخْوَةِ الرَّحْمَةُ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِهَا