للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا أَمْرٌ بِأَنْ يَعُمَّ الْإِلْقَاءُ فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، فَيَعْلَمُ مِنْهُ كُلُّ حَاضِرٍ فِي الْحَشْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِهِ إِلَى جَهَنَّمَ.

وَالْكَفَّارُ: الْقَوِيُّ الْكُفْرِ، أَيِ الشِّرْكِ.

وَالْعَنِيدُ: الْقَوِيُّ الْعِنَادِ، أَيِ الْمُكَابَرَةِ وَالْمُدَافَعَةِ لِلْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُبْطِلٌ.

وَالْمَنَّاعُ: الْكَثِيرُ الْمَنْعِ، أَيْ صَدِّ النَّاسِ عَنِ الْخَيْرِ، وَالْخَيْرُ هُوَ الْإِيمَانُ، كَانُوا يَمْنَعُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَذَوِيهِمْ مِنِ اتِّبَاعِ الْإِيمَانِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ كَانَ يَقُولُ لِبَنِي أَخِيهِ «مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ لَا أَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ مَا عِشْتُ» . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَيْضًا مَنْعُ الْفُقَرَاءِ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّ الْخَيْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ الْفُقَرَاءَ وَيُعْطُونَ الْمَالَ

لِأَكَابِرِهِمْ تَقَرُّبًا وَتَلَطُّفًا.

وَالْمُعْتَدِي: الظَّالِمُ الَّذِي يَعْتَدِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى وعَلى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْذِيبِ وَالْقَوْلِ الْبَاطِلِ.

وَالْمُرِيبُ الَّذِي أَرَابَ غَيْرَهُ، أَيْ جَعَلَهُ مُرْتَابًا، أَيْ شَاكًّا، أَيْ بِمَا يُلْقُونَهُ إِلَى النَّاسِ مِنْ صُنُوفِ الْمُغَالَطَةِ لِيُشَكِّكُوهُمْ فِي صدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِحَّةِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ. وَبَيْنَ لَفْظِي عَتِيدٌ [ق: ١٨] وعَنِيدٍ الجناس الْمُصحف.

[٢٦]

[سُورَة ق (٥٠) : آيَة ٢٦]

الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَوْصُولِ بَدَلًا مِنْ كَفَّارٍ عَنِيدٍ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ تُبَدَّلُ مِنَ النَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشورى: ٥٢، ٥٣] ، عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ هُنَا تَعْرِيفُهُ لَفْظِيٌّ مُجَرَّدٌ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّلَةِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِمُعَيَّنٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ:

فَأَلْقِياهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق: ٢٤] وَمَصَبُّ التَّفْرِيعِ الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ، أَيْ فِي أَشَدِّ عَذَابِ جَهَنَّمَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَمْرِ بِإِلْقَائِهِ فِي جَهَنَّمَ تَفْرِيعُ بَيَانٍ، وَإِعَادَةُ فِعْلِ أَلْقِيا لِلتَّأْكِيدِ مَعَ تَفْرِيعِ مُتَعَلِّقِ الْفِعْلِ الْمُؤَكَّدِ. وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ النَّظْمِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [الْقَمَر: ٩]