للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِنْدَهُ نُزُولُ مَا فِي السَّحَابِ مِنَ الْمَاءِ أَوْ هِيَ السُّحُبُ الَّتِي تُنْزِلُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ عَلَى مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ.

وَإِسْنَادُ التَّقْسِيمِ إِلَيْهَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ مَجَازٌ بِالْمُشَابَهَةِ. وَرُوِيَ عَن الْحسن فَالْمُقَسِّماتِ السحب بقسم اللَّهُ بِهَا أَرْزَاقَ الْعِبَادِ» اه. يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلَنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً إِلَى قَوْلِهِ: رِزْقاً لِلْعِبادِ فِي سُورَةِ ق [٩- ١١] .

وَمِنْ رَشَاقَةِ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ فِيهِ مُنَاسَبَةً بَيْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ فَإِنَّ أَحْوَالَ الرِّيَاحِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا مَبْدَؤُهَا: نَفْخٌ، فَتَكْوِينٌ، فَإِحْيَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْبَعْثُ مَبْدَؤُهُ: نَفْخٌ فِي الصُّورِ، فَالْتِئَامُ أَجْسَادِ النَّاسِ الَّتِي كَانَتْ مَعْدُومَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً، فَبَثُّ الْأَرْوَاحَ فِيهَا فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

أَمْراً إِشَارَةً إِلَى مَا يُقَابِلُهُ فِي الْمِثَالِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ وَهُوَ الرُّوحُ لِقَوْلِهِ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الْإِسْرَاء: ٨٥] .

وَ (مَا) مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّما تُوعَدُونَ مَوْصُولَةٌ، أَيْ إِنَّ الَّذِي تُوعَدُونَهُ لِصَادِقٌ. وَالْخِطَابُ فِي تُوعَدُونَ لِلْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَكَمَا يَقْتَضِيهِ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ [الذاريات: ٨] .

فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ تُوعَدُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي مَاضِيهِ (أوعد) ، وَهُوَ يبْنى لِلْمَجْهُولِ فَأصل تُوعَدُونَ تؤوعدون بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ تَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ هِيَ عَيْنُ فِعْلِ (أَوْعَدَ) وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَجْلِ الْبِنَاءِ الْمَجْهُولِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمُطَّرِدُ مِنْ حَذْفِ هَمْزَةِ أُفْعِلُ فِي الْمُضَارِعِ مِثْلَ تُكْرِمُونَ، وَسَكَنَتِ الْوَاوُ سُكُونًا مَيِّتًا لِأَجْلِ وُقُوعِ الضَّمَّةِ قَبْلَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ سُكُونُهَا حَيًّا فَصَارَ تُوعَدُونَ ووزنه تافعلون.

وَالَّذِي أُوعِدُوهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَعَذَابُ الدُّنْيَا مِثْلُ الْجُوعِ فِي سِنِي الْقَحْطِ السَّبْعِ الَّذِي هُوَ دَعْوَةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ

بِقَوْلِهِ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينًا كَسِنِينِ يُوسُفَ)

وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [١٠، ١١] . وَمِثْلُ عَذَابِ السَّيْفِ وَالْأَسْرِ يَوْمَ بَدْرٍ الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدُّخان: ١٦] .