للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِصْلَاحُ جَعْلُ الشَّيْءِ صَالِحًا يُقَالُ: أَصْلَحَهُ أَيْ جَعَلَهُ صَالِحًا، وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الدُّخُولِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِالْمُرَاضَاةِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ صَالِحَيْنِ بَعْدَ أَنْ فَسَدُوا، وَيُقَالُ: أصلح بَينهم لتضمينه مَعْنَى دَخَلَ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِبَيْنَ فِي الْآيَةِ عَائِدٌ إِلَى الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُمُ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: مُوصٍ إِذْ يَقْتَضِي مُوصًى لَهُمْ، وَمَعْنَى فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الْبَقَرَة:

١٧٣] أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حَرَجٌ مِنْ تَغْيِيرِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ وَجَدَ فِي وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِضْرَارًا بِبَعْضِ أَقْرِبَائِهِ، بِأَنْ حَرَمَهُ مَنْ وَصِيَّتِهِ أَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ نَسَبًا، أَوْ أَوْصَى إِلَى غَنِيٍّ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَتَرَكَ فَقِيرَهُمْ فَسَعَى فِي إِصْلَاحِ ذَلِكَ وَطَلَبَ مِنَ الْمُوصِي تَبْدِيلَ وَصِيَّتِهِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَعَى فِي إِصْلَاحٍ بَيْنَهُمْ، أَوْ حَدَثَ شِقَاقٌ بَيْنَ الْأَقْرَبِينَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَهُمْ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَفِيهِ تَنْوِيهٌ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى تَنْفِيذِ وَصَايَا الْمُوصِينَ حَتَّى جَعَلَ تَغْيِيرَ جَوْرِهِمْ مُحْتَاجًا لِلْإِذْنِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّهُ مَغْفُورٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «مُوصٍ» عَلَى أَنَّهُ اسْم فَاعل أَو أَوْصَى وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفٌ «مُوَصٍّ» بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلِ وَصَّى الْمُضَاعَفِ.

[١٨٣، ١٨٤]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١٨٣ الى ١٨٤]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ.

حُكْمُ الصِّيَامِ حُكْمٌ عَظِيمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الرَّامِيَةِ إِلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَرِيَاضَتِهَا، وَفِي ذَلِكَ صَلَاحُ حَالِ الْأَفْرَادِ فَرْدًا فَرْدًا إِذْ مِنْهَا يَتَكَوَّنُ الْمُجْتَمَعُ. وَفُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَنْ سَابِقَتِهَا لِلِانْتِقَالِ إِلَى غَرَضٍ آخر، وافتتحت بيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا فِي النِّدَاءِ مِنْ إِظْهَارِ الْعِنَايَةِ بِمَا سَيُقَالُ بَعْدَهُ.

وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْوُجُوبِ تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ [الْبَقَرَة: ١٨٠] الْآيَةَ.

وَالصِّيَامُ- وَيُقَالُ الصَّوْمُ- هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: اسْمٌ لِتَرْكِ جَمِيعِ الْأَكْلِ وَجَمِيعِ الشُّرْبِ وَقُرْبَانِ النِّسَاءِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ بِنِيَّةِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ لِقَصْدِ التَّقَرُّبِ بِنَذْرٍ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ.