للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ لِأَنَّ وُضُوحَهُ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ وَكَانَتْ سَبَب إِسْلَامه.

[٣٨]

[سُورَة الطّور (٥٢) : آيَة ٣٨]

أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)

لَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَصَرُّفٌ قَوِيٌّ أَوْ ضَعِيفٌ فِي مَوَاهِبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَعْقَبَهُ بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اطِّلَاعٌ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ اطِّلَاعًا يُخَوِّلُهُمْ إِنْكَارَ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ بَشَرًا أَوْ يُوحِيَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِإِبْطَالِ قَوْلهم: تَقَوَّلَهُ [الطّور: ٣٣] . وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهِمْ: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: ٣٠] الْمُقْتَضِي أَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ هَلَاكَهُ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَسْتَمِعُونَ لِيَعُمَّ كَلَامًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْمَعَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَغِيبَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَغَيْرِهِ الْوَاقِعِ وَغَيْرِهِ.

وَسَلَكَ فِي نَفْيِ عِلْمِهِمْ بِالْغَيْبِ طَرِيقَ التَّهَكُّمِ بِهِمْ بِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ سُلَّمٌ يَرْتَقُونَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ لِيَسْتَمِعُوا مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ مِنْ أَمْرٍ تَتَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ أَهْلُ الْمَلَإِ الْأَعْلَى بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فَيَسْتَرِقُوا بَعْضَ الْعِلْمِ مِمَّا هُوَ مَحْجُوبٌ عَنِ النَّاسِ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا سُلَّمَ يَصِلُ أَهْلَ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ.

وَعُلِمَ مِنِ اسْمِ السُّلَّمِ أَنَّهُ آلَةُ الصُّعُودِ، وَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ السَّمَاوَاتِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّ الْمُرَادَ سُلَّمٌ يَصْعَدُونَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلِذَلِكَ وُصِفَ بِ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ أَيْ يَرْتَقُونَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَيَسْتَمِعُونَ وَهُمْ فِيهِ، أَيْ فِي دَرَجَاتِهِ الْكَلَامَ الَّذِي يَجْرِي فِي السَّمَاءِ. وفِيهِ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَسْتَمِعُونَ، أَيْ وَهُمْ كَائِنُونَ فِيهِ لَا يُفَارِقُونَهُ إِذْ لَا يُفْرَضُ أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ مِنْهُ إِلَى سَاحَاتِ السَّمَاءِ.

وَإِسْنَادُ الِاسْتِمَاعِ إِلَى ضَمِيرِ جَمَاعَتِهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ سَفِيرٌ عَنْهُمْ عَلَى عَادَةِ اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ مِنْ إِسْنَادِ فِعْلِ بَعْضِ الْقَبِيلَةِ إِلَى جَمِيعِهَا إِذَا لَمْ تَصُدُّهُ عَنْ عَمَلِهِ فِي قَوْلِهِمْ: قَتَلَتْ بَنُو أَسَدٍ حَجَرًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا