للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ كَانَ جِبْرِيلُ يَتَمَثَّلُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ وَقَدْ وَصَفَهُ عُمَرُ فِي حَدِيثِ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: «إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ» الْحَدِيثُ،

وَأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»

. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَدْنى أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّقْدِيرِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّقْرِيبِ، أَيْ إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ تَقْرِيبَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، أَيْ لَا أَزْيَدَ إِشَارَةٌ إِلَى أَن التَّقْدِير لَا مُبَالَغَةَ فِيهِ.

وَتَفْرِيعُ فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى

عَلَى قَوْلِهِ: فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ الْمُفَرَّعِ عَلَى الْمُفَرَّعِ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، وَهَذَا التَّفْرِيعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَيَانِ وَمَا قَبْلَهُ تَمْهِيدٌ لَهُ، وَتَمْثِيلٌ لِأَحْوَالٍ عَجِيبَةٍ بِأَقْرَبِ مَا يَفْهَمُهُ النَّاسُ لِقَصْدِ بَيَانِ إِمْكَانِ تَلَقِّي الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِيلُونَهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ إِمْكَانَ الْوَحْيِ بِوَصْفِ طَرِيقِ الْوَحْيِ إِجْمَالًا، وَهَذِهِ كَيْفِيَّةٌ مِنْ صُوَرِ الْوَحْيِ.

وَضَمِيرُ أَوْحى

عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمعْنَى: فَأوحى الله إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا كَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ الْإِيحَاءِ لِإِبْطَالِ إِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ.

وَإِيثَارُ التَّعْبِيرِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُنْوَانِ عَبْدِهِ

إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فِي اخْتِصَاصِ الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ مِنَ التَّشْرِيفِ.

وَفِي قَوْلِهِ: مَا أَوْحى

إِبْهَام لِتَفْخِيمِ مَا أوحى إِلَيْهِ.

[١١، ١٢]

[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ١١ إِلَى ١٢]

مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (١٢)

الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا رَدٌّ لِتَكْذِيبٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا بَلَغَهُمْ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رُؤْيَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَكَ جِبْرِيلَ وَهُوَ الَّذِي يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَ: أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى.