للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ جَامِعُ التَّقْوَى. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اجْتِنَابَ مَا ذُكِرَ يُعَدُّ مِنَ الْإِحْسَانِ لِأَنَّ فِعْلَ السَّيِّئَاتِ يُنَافِي وَصْفُهُمْ بِالذِّينَ أَحْسَنُوا فَإِنَّهُمْ إِذَا أَتَوْا بِالْحَسَنَاتِ كُلِّهَا وَلَمْ يَتْرُكُوا السَّيِّئَاتِ كَانَ فِعْلُهُمُ السَّيِّئَاتِ غَيْرُ إِحْسَانٍ وَلَوْ تَرَكُوا السَّيِّئَاتِ وَتَرَكُوا الْحَسَنَاتِ كَانَ تَرْكُهُمُ الْحَسَنَاتِ سَيِّئَاتٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ كَبائِرَ الْإِثْمِ بِصِيغَةِ جمع (كَبِيرَة) . وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ كَبِيرَ الْإِثْمِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ.

وَالْمُرَادُ بِكَبَائِرِ الْإِثْمِ: الْآثَامُ الْكَبِيرَةُ فِيمَا شَرَعَ اللَّهُ وَهِيَ مَا شَدَّدَ الدِّينُ التَّحْذِيرَ مِنْهُ أَو ذكر لَهُ وَعِيدًا بِالْعَذَابِ أَوْ وَصَفَ عَلَى فَاعِلِهِ حَدًّا.

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: «الْكَبَائِرُ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَبِرِقَّةِ دِيَانَتِهِ» .

وَعَطْفُ الْفَوَاحِشِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِهَا مُغَايِرٌ لِلْكَبَائِرِ وَلَكِنَّهَا مُغَايَرَةٌ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ، فَالْفَوَاحِشُ أَخَصُّ مِنَ الْكَبَائِرِ وَهِيَ أَقْوَى إِثْمًا.

وَالْفَوَاحِشُ: الْفِعْلَاتُ الَّتِي يُعَدُّ الَّذِي فَعَلَهَا مُتَجَاوِزًا الْكَبَائِرَ مِثْلُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَقَتْلِ الْغِيلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [الْأَعْرَاف: ٣٣] الْآيَةَ وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٣١] فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ.

وَاسْتِثْنَاءُ اللَّمَمِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ اللَّمَمَ لَيْسَ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَلَا مِنَ الْفَوَاحِشِ.

فَالِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا سُمِّيَ بِاللَّمَمِ ضَرْبٌ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُحَذَّرِ

مِنْهَا فِي الدِّينِ، فَقَدْ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا يَلْحَقُهَا بِكَبَائِرِ الْإِثْمِ فَلِذَلِكَ حُقَّ الِاسْتِدْرَاكُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ: أَمَّا الْعَامَّةُ فَلِكَيْ لَا يُعَامِلَ الْمُسْلِمُونَ مُرْتَكِبَ شَيْءٍ مِنْهَا مُعَامَلَةَ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ، وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَرَحْمَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ يرتكبونها فَلَا يقل ارْتِكَابُهَا مِنْ نَشَاطِ طَاعَةِ الْمُسْلِمِ،