للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهِ الْآخَرُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُحْتَاجًا إِلَى الْآخَرِ لِيَرْضَى بِإِقْرَارِهِ عَلَى إِيجَادِ مَا أَوْجَدَهُ، وَإِلَّا لَقَدَرَ عَلَى نَقْضِ مَا فَعَلَهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَدِّدِ مُحْتَاجًا إِلَى مَنْ يَسْمَحُ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ، قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] وَقَالَ: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما تَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الْإِسْرَاء: ٤٢] وَقَالَ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] فَانْتَهَى الْعَقْلُ لَا مَحَالَةَ إِلَى مُنْتَهى.

[٤٣]

[سُورَة النَّجْم (٥٣) : آيَة ٤٣]

وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)

انْتِقَالٌ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ إِلَى الِاعْتِبَار بأحوال الْحَيَاة الدُّنْيَا وَضَمِيرُ هُوَ عَائِدٌ إِلَى رَبِّكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النَّجْم: ٤٢] .

وَالضَّحِكُ: أَثَرُ سُرُورِ النَّفْسِ، وَالْبُكَاءُ: أَثَرُ الْحُزْنِ، وَكُلٌّ مِنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِ وَكِلَاهُمَا خَلْقٌ عَجِيبٌ دَالٌّ عَلَى انْفِعَالٍ عَظِيمٍ فِي النَّفْسِ.

وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْحَيَوَانِ ضَحِكٌ وَلَا بُكَاءٌ وَمَا وَرَدَ مِنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى الْحَيَوَانِ فَهُوَ كَالتَّخَيُّلِ أَوِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِ النَّابِغَة:

بكاء حَمَاقَة تَدْعُو هَدِيلًا ... مُطَوَّقَةٍ عَلَى فَنَنٍ تُغَنِّي

وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ مِنْ حَالَيْ حُزْنٍ وَسُرُورٍ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَزِينًا مَغْمُومًا كَانَ مَسْرُورًا لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السُّرُورَ وَالِانْشِرَاحَ مُلَازِمًا لِلْإِنْسَانِ بِسَبَبِ سَلَامَةِ مَزَاجِهِ وَإِدْرَاكِهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ سَالِمًا كَانَ نَشِيطَ الْأَعْصَابِ وَذَلِكَ النَّشَاطُ تَنْشَأُ عَنْهُ الْمَسَرَّةُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً فِي الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، فَذِكْرُ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ يُفِيدُ الْإِحَاطَةَ بِأَحْوَالِ الْإِنْسَانِ بِإِيجَازٍ وَيَرْمُزُ إِلَى أَسْبَابِ الْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَيُذَكِّرُ بِالصَّانِعِ الْحَكِيمِ، وَيُبَشِّرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ خَلَقَ أَسْبَابَ فَرَحِهِ وَنَكَدِهِ وَأَلْهَمَهُ إِلَى اجْتِلَابِ ذَلِكَ بِمَا فِي مَقْدُورِهِ وَجَعَلَ حَدًّا عَظِيمًا مِنْ ذَلِك خَارِجا عَن مَقْدُورِ الْإِنْسَانِ وَذَلِكَ لَا يَمْتَرِي فِيهِ أَحَدٌ إِذَا تَأَمَّلَ وَفِيهِ مَا يُرْشِدُ إِلَى

الْإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ لِيُقَدِّرَ لِلنَّاسِ أَسْبَابَ الْفَرَحِ، وَيَدْفَعَ عَنْهُمْ أَسْبَابَ الْحُزْنِ