للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَمْعُهُ: نُذُرٌ، هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ. وَلِذَلِكَ جَعَلَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَجَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْإِشَارَةَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَيُطْلَقُ النَّذِيرُ عَلَى الْإِنْذَارِ وَهُوَ خَبَرُ الْمُخْبِرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: يُطْلَقُ النَّذِيرُ عَلَى الْإِنْذَارِ (يُرِيدُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الْملك: ١٧] أَيْ إِنْذَارِي وَجَمْعُهُ نُذُرٌ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [الْقَمَر: ٢٣] ، أَيْ بِالْمُنْذِرِينَ. وَإِطْلَاقُ نَذِيرٍ عَلَى مَا هُوَ كَلَامٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ بَعْضُ آيَاتِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، أَوِ اسْتِعَارَةٌ عَلَى رَأْيِ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ عَلَى رَأْيِ الزَّجَاجِيِّ.

وَالْمُرَادُ بِالنُّذُرِ الْأُولَى: السَّالِفَةُ، أَيْ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ مَعَانِي الشَّرَائِع الأولى

كَقَوْلِه النَّبِيءِ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ من كَلَام النبوءة الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»

أَيْ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ قبل الْإِسْلَام.

[٥٧، ٥٨]

[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ٥٧ إِلَى ٥٨]

أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨)

تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنَ الَّتِي قَبْلِهَا مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِلْإِنْذَارِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: هَذَا نَذِيرٌ [النَّجْم: ٥٦] .

فَالْمَعْنَى: هَذَا نَذِيرٌ بِآزِفَةٍ قَرُبَتْ، وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْقُرْبِ فَائِدَةٌ أُخْرَى زَائِدَةٌ عَلَى الْبَيَانِ وَهِي أَن هَذَا الْمُنْذَرَ بِهِ دَنَا وَقْتُهُ، فَإِنَّ: أَزِفَ مَعْنَاهُ: قرب وَحَقِيقَته الْقرب الْمَكَانِ، وَاسْتُعِيرَ لِقُرْبِ الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ مَا يُعَامِلُونَ الزَّمَانَ مُعَامَلَةَ الْمَكَانِ.

وَالتَّنْبِيهُ عَلَى قُرْبِ الْمُنْذَرِ بِهِ مِنْ كَمَالِ الْإِنْذَارِ لِلْبِدَارِ بِتَجَنُّبِ الْوُقُوعِ فِيمَا يُنْذَرُ بِهِ.

وَجِيءَ لِفِعْلِ أَزِفَتِ بِفَاعِلٍ مِنْ مَادَّةِ الْفِعْلِ لِلتَّهْوِيلِ عَلَى السَّامِعِ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْمُحَادَثَةِ الَّتِي أَزِفَتْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ لِوُرُودِ ذِكْرِهَا عَقِبَ ذِكْرِ الْإِنْذَارِ.

وَتَأْنِيثُ الْآزِفَةُ بِتَأْوِيلِ الْوَقْعَةِ، أَوِ الْحَادِثَةِ كَمَا يُقَالُ: نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ، أَوْ