للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحَاصِلُ نَظْمِ الْكَلَامِ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى: أَنَّهُ حَصَلَ فِعْلٌ فَكَانَ حُصُولُهُ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ أَوْ طَرِيقَةٍ خَاصَّةٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ كَذَّبَتْ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى: إِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا كذبه، فتفريع فَكَذَّبُوا عَبْدَنا عَلَيْهِ تَفْرِيعُ تَصْرِيحِهِمْ بِتَكْذِيبِهِ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَذِبَهُ. فَيكون فعل فَكَذَّبُوا مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى غَيْرِ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ فِعْلُ كَذَّبَتْ، وَالتَّفْرِيعُ ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَأَتَّى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فِي سُورَةِ سَبَأٍ [٤٥] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ إِخْبَارًا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِتَفَرُّدِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ حِينَ تَلَقَّوْهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ نُوحٍ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ رَسُولٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ ظَاهِرًا.

وازْدُجِرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قالُوا وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الزَّجْرِ. وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُهَا: افْتَقَرَ وَاضْطُرَّ.

وَنُكْتَةُ بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ هُنَا التَّوَصُّلُ إِلَى حَذْفِ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ فِعْلُ الِازْدِجَارِ الْمَبْنِيُّ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ ضَمِيرُ قَوْمُ نُوحٍ، فَعَدَلَ على أَنْ يُقَالَ: وَازْدَجَرُوهُ، إِلَى قَوْلِهِ: وَازْدُجِرَ مُحَاشَاةً لِلدَّالِّ عَلَى ذَاتِ نُوحٍ وَهُوَ ضَمِيرٌ مِنْ أَنْ يَقَعَ مَفْعُولًا لِضَمِيرِهِمْ. وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُمُ ازْدَجَرُوهُ، أَيْ نَهَوْهُ عَنِ ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ بِغِلْظَةٍ قَالَ تَعَالَى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ [الْأَعْرَاف: ٦٦] وَقَالَ: قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشُّعَرَاء: ١١٦] وَقَالَ: وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود: ٣٨] .