للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ آحَادِ النَّاسِ، أَيْ لَيْسَ مِنْ أَفْضَلِنَا. وَإِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهَا كَقَوْلِ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ:

قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... سَكَنَ الْمَدِينَةَ مِنْ مُزَارِعِ فُومِ

يُرِيدُ: لَا يُنَاظِرُنِي فِي ذَلِكَ أَحَدٌ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ تَعْلِيلٌ لِإِنْكَارِ أَنْ يَتَّبِعُوا بَشَرًا مِنْهُمْ تَقْدِيرُهُ: أَنَتَّبِعُكَ

وَأَنْتَ بَشَرٌ وَاحِد منا.

و (إِذن) حَرْفُ جَوَابٍ هِيَ رَابِطَةُ الْجُمْلَةِ بِالَّتِي قَبْلَهَا. وَالضَّلَالُ: عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ، أَرَادوا: إِنَّا إِذن مُخْطِئُونَ فِي أَمْرِنَا.

وَالسُّعُرُ: الْجُنُونُ، يُقَالُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا.

وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ السُّعُرَ بِالْعَذَابِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ سَعِيرٍ. وَجُمْلَةُ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا تَعْلِيلٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.

وأُلْقِيَ حَقِيقَتُهُ: رُمِيَ مِنَ الْيَدِ إِلَى الْأَرْضِ وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِإِنْزَالِ الذِّكْرِ مِنَ السَّمَاءِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥] .

و (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، جَعَلُوا تَلَبُّسَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْجُنُونِ كَتَلَبُّسِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ.

ومِنْ بَيْنِنا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِ، أَيْ كَيْفَ يُلْقَى عَلَيْهِ الذِّكْرُ دُونَنَا، يُرِيدُونَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ حَسَبَ مَدَارِكِ عُقُولِ الْجَهَلَةِ الَّذين يقيسون الْأُمُور بِمَقَايِيسِ قُصُورِ أَفْهَامِهِمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّ أَسْبَابَ الْأَثَرَةِ فِي الْعَادَاتِ هِيَ أَسْبَابُهَا فِي الْحَقَائِقِ.

وَحَرْفُ مِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ بَيْنِنا بِمَعْنَى الْفَصْلِ كَمَا سَمَّاهُ ابْنُ مَالِكٍ وَإِنْ أَبَاهُ ابْنُ هِشَامٍ أَيْ مَفْصُولًا مِنْ بَيْنِنَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [الْبَقَرَة: ٢٢٠] .