للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهُ اخْتِلَاطَ الْآخَرِ بِهِ. وَهَذَا مِنْ مَسَائِلِ الثِّقَلِ النَّوْعِيِّ. وَذِكْرُ الْبَرْزَخِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ بَيْنَهُمَا مِثْلُ الْبَرْزَخِ وَهُوَ مَعْنَى لَا يَبْغِيانِ، أَيْ لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، أَيْ لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيُفْسِدُ طَعْمَهُ فَاسْتُعِيرَ لِهَذِهِ الْغَلَبَةِ لَفْظُ الْبَغْيِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ الْاِعْتِدَاءُ وَالتَّظَلُّمُ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّثْنِيَةُ تَثْنِيَةَ بَحْرَيْنِ مِلْحَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، وَالتَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ، فَالْمُرَادُ: بَحْرَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْعَرَبِ. فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ: الْبَحْرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي عَلَيْهِ شُطُوطُ تِهَامَةَ مَثَّلُ: جُدَّةُ وَيَنْبُعُ النَّخْلِ، وَبَحْرُ عُمَانَ وَهُوَ بَحْرُ الْعَرَبِ الَّذِي عَلَيْهِ حَضْرَمَوْتُ وَعَدَنُ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ.

وَالْبَرْزَخُ: الْحَاجِزُ الْفَاصِلُ، وَالْبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَ هَذَيْنِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ مَضِيقُ بَابِ الْمَنْدَبِ

حَيْثُ يَقَعُ مَرْسَى عَدَنَ وَمَرْسَى زَيْلَعَ.

وَلَمَّا كَانَ فِي خَلْقِ الْبَحْرَيْنِ نِعَمٌ عَلَى النَّاسِ عَظِيمَةٌ مِنْهَا مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَسِيرُونَ فِيهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ [النَّحْل: ١٤] وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يُونُس: ٢٢] وَاسْتِخْرَاجُ سَمَكِهِ وَالتَّطَهُّرُ بِمَائِهِ. وَمِنْهَا مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ مَا لِأَمْلَاحِ الْبَحْرِ مِنْ تَأْثِيرٍ فِي تَنْقِيَةِ هَوَاءِ الْأَرْضِ وَاسْتِجْلَابِ الْأَمْطَارِ وَتَلَقِّي الْأَجْرَامِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ الشُّهُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَجُمْلَةُ يَلْتَقِيانِ وَجُمْلَةُ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ حَالَانِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ.

وَجُمْلَةُ لَا يَبْغِيانِ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ.

[٢١]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٢١]

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١)

تَكْرِيرٌ كَمَا عَلِمْتُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَوَقَعَ هُنَا اعْتِرَاضًا بَيْنَ أَحْوَال الْبَحْرين.

[٢٢]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٢٢]

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)

حَالٌ ثَالِثَةٌ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْبَحْرَيْنِ: بَحْرَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ مِنَ الْبِحَارِ الْمِلْحَةِ تَكُونُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمَا ابْتِدَائِيَّةً لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ يَكُونَانِ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ.